الأسرى المُحرَّرُون الأربعة

بواسطة | يونيو 10, 2024

بواسطة | يونيو 10, 2024

الأسرى المُحرَّرُون الأربعة

حررت دولة إسرائيل الغاصبة بالتعاون الاستخباراتيّ مع أمريكا أربعة أسرى هم: (نوعا أرغماني) و(ألموع مئير) و(أندري كوزلوف) و(شلومي زيف). ونتساءل: إذا كان رئيس حكومة الاحتلال سيحرر أربعة أسرى كل ثمانية أشهر، فهذا يعني أنه يحتاج إلى ربع قرن لتحرير من بقي في قبضة المقاومة. غير أن التّساؤل الأجدى: هل ستبقى دولة الكيان خمسًا وعشرين سنةً أخرى؟!

       فرح لأنه لم يتمكن طوال ثمانية أشهر من أن يقدِّم عملاً واحدًا يغطّي به سوءته وإخفاقاته المتتالية المذلِّة في تحقيق أي نصرٍ ولو كان موهومًا على المقاومة. مجلس الوزراء في حالة طرب لما حدث، كأنهم حرّروا الأسرى كلهم وقضَوا على المقاومة وأحرزوا نصرًا مدويًّا، والأمر برمّته عنوان هزيمةٍ واضحة، ويكشف عن مدى بحثهم المحموم عن مظهر نصرٍ واحدٍ يواجهون به شعوبهم الّتي تضغط باتّجاه قبول صفقةٍ مقابل الإفراج عن ذويهم.

بعد ثمانية أشهرٍ كريتة، استخدمَ فيه العدو جيشه بمقدراته كلّها وأسلحته الفتاكة أجمعها بحرًا وبرًّا وجوّا، وإلى جانبه جيوش العالم كلها تأتمر بأمره وتقف كتفها إلى كتفه، وإليهم أجهزة الاستخبارات العالمية والسّي آي إيه والموساد وإليهم بعض أجهزة الاستخبارات العربية، وبعد هذا الزمن الطويل.. ماذا كانت النتيجة؟ أربعة أسرى من أصل (136) أسيرًا متبقيًا؟ فهل هذا يعدّ بهذه المؤشِّرات انتصارًا؟ كلا، بل إنّه يجب أن يخجلوا من عجزهم وعليهم أن يشعروا بالعار، إن حفلة الطّرب التي هللوا لها تشعرك أن القضية قد صفِّيت وأن الأمر قد انتهى، وحين ترى هذه الحفلة العارمة تتذكر المثل الشعبي: “الجنازة حامية والميت كلب”.

إنها حربٌ شعواء تستعدي فيها جيوشٌ غير أخلاقية، حرب استنزاف، حرب كرٍّ وفرّ، حربٌ ذات نفسٍ طويل صمدت فيها المقاومة المحاصرة طوال ثمانية أشهر دون أن تتراجع أو تستسلم – حاشا لله – أو يظهر ضعفها، بل ما ظهر عكس ذلك، إنها لا تزال تطلق بالصواريخ من كل مكان باتجاه الدولة الصهيونية الغاصبة، من المناطق التي أعلنها الجيش الإسرائيلي بأنه تم تمشيطها والقضاء على جيوب المقاومة فيها.

       من يجب أن يفرح؟ المقاومة أم هم؟ المقاومة التي ركّعت دول العالم وجعلتها تجثو على هاماتها عند أقدام المقاومين، أم هم الذين استخدموا رصيف المساعدات والأغذية من أجل أن يحرّروا أربعة من أسراهم الذين ظهر أنّ المقاومة كانت تأسرهم في أحسن الظروف، وتهتمّ بصحتهم كما لو كانوا ضيوفًا؟!

       وما الذي سيتغير على أرض الواقع؟ سيزداد الصهاينة غطرسةً وسيحاولون تعطيل صفقة التّبادل ظنًّا منهم بأنّهم سوف يستمرون في هذا النهج من تحرير أسراهم، ولكنّ فرحهم الذي هو في أوجِهِ اليوم سوف ينتهي خلال أيام ويعودون يستجدون من المقاومة صيغة تبادلٍ تقبل بها من أجل أسراهم. أمّا على صعيد المقاومة فإنها ستمضي في خطّتها بهدوءٍ وإحكامٍ وثقة، وستحافظ على إنجازاتها، وستأسر مزيدًا من الجنود الصهاينة ناهيك عن القتلى الذين يزدادون يومًا بعد يومٍ وساعةً إثر ساعة. وسيسعون إلى حرب استنزافٍ طويلة الأمد تجعل اقتصاد العدو بمثابة قربةٍ مثقوبة، يضخّون فيها الأموال من ميزانيتهم، ومن ميزانية ربيبتها أمريكا، ومن ميزانيات الدول التي تسمّي نفسها عُظمى وتقف جورًا وطغيانًا إلى جانبها، وسيستمر نزيف اقتصادهم إلى أن ينهار بإذن الله تعالى.

       ثم إنّ هذا أمرٌ طبيعي في الحروب، فصّله الله تعالى في قوله: “إنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ”، ولكن الفارق الجوهري بين المقاومة وبينهم: “وَتَرْجُونَ مِنَ الله مَا لا يَرْجُون”.

       إنه لو افترضنا جدلاً أنه لم يبقَ في يد المقاومة إلا عشرون أسيرًا فستظل منتصرة، وستبقى يدها هي العليا، وما أصدق ما قاله (أبو عبيدة) الناطق العسكري باسم المقاومة: “نؤكد أن الثمن الذي سنأخذه مقابل خمسة أسرى أحياء هو الثمن نفسه الذي كنا سنأخذه مقابل الأسرى جميعًا”. وستبقى الدول المستكبرة في حالة حيرةٍ وذهول مما يمكن أن تفعل أمام هذا الصمود الأسطوري الذي لم يحدث أن رأته أو واجهته في تاريخها العسكري كله.

عمّان

8-6-2024م

1 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...