
الانتظار
بقلم: أيمن العتوم
| 18 سبتمبر, 2023

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: أيمن العتوم
| 18 سبتمبر, 2023
الانتظار
كان ذلك شتاء يوم ماطر، تفتحت فيه السحُب كأنها لم تبكِ منذ قرون، فانهملت انهمالا جعل صوت الماء المتدفق مرعبا أكثر من صوت الرعد؛ وكنت لا أزال طالبا في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية في كلية الهندسة، وقد ألهمني حَدْسي -الذي قليلا ما يخطئ- أنني اليوم سأظفر بما أريد على أحسن وجه ممكن.. كنت أتأبط كتاب الـ (Structure) وأمضي صاعدا إلى الحافلة المتوجهة من الجامعة إلى عمان، لأستقلّ بعدها (السرفيس) كي أصل إلى جبل عمان، حيث مكتبة عبد الحميد شومان، المكتبة التي منذ أن كانت في العبدلي في الثمانينيات من القرن المنصرم وأنا أحد روادها. كنتُ أريد فحسب أن أجلس فيها لبضع ساعات، وأستعير ثلاثة كتب، وهو ما يُسمح لنا به، وأعود إلى هنا.
كان جوّ المكتبة هادئا على عادته، لم يلفت انتباهي أكثرَ من الفتيات اللواتي كنت أراهنّ حسناوات -وليس بالضرورة أن يكنّ كذلك، لكنه الجوع الفطري إلى الأنثى- غيرُ الأرفف الممتدّة على طول النّظر ينتظرن يدا تداعب خدرهنّ اللذيذ، أعني أن الكتب تلك كان لها في نفسي البريق نفسه إن لم يكن أشد. ولمعتْ في ذهني قصيدة إبراهيم طوقان عن هؤلاء الحسناوات، يقول في مطلعها:
وَغَــريْـرَة في الـمـكـتـبـة .. بـجَــمـالـهــا مــتـنــقِّـــبـة
أبصرتُها عند الصباح الـ .. غــضِّ تشــبـه كـوكــبــه
عُدتُ بغنيمتي إلى مجمع العبدلي وقد هبط الليل هبوطا كاملا حتى جثم بجلبابه الأسود على الفضاء، فلم يعدْ يُرى من بعيد سوى أضواء الأعمدة الباهتة، التي تجاهد سُجُف الظلام وسرابيله الممعنة في القتام.
كان المشهد -لما اقتربتُ أكثر- يبعث على الدفء مع الناس، الذين يصطفّ بعضهم في طوابير تصل إلى عشرات الأمتار في انتظار (السرافيس)، التي تذهب بهم إلى طِيّاتهم في جبال عمان السبعة، أو إلى المدن التي تتوزع على الخريطة الطولية من الشمال إلى الجنوب. وكان دوري أن أنتظر في الطابور الذاهب إلى إربد، الذي -للأمانة- كان أقصر من الطوابير الأخرى، ولكنه طابور في النهاية، وكانت السماء قد كفّت عن البكاء طوال الوقت الذي كنت فيه في المكتبة، وكأنها كانت تحبسه لهذه اللحظة التي نقف فيها هنا بلا مظلات في المُجمّع وبلا سقوف. وبكتِ السماء… نعم بكت كأنها كانت تريد أن تغسلنا من أدران اليوم كله. بكت كأنها تريد أن تقول: إنكم لي وأنا أفعل بكم ما أشاء.
وفي لحظات بدأ المطر الغزير يُشكّل سيولا، وهُرِع الناس ففتحوا مظلاتهم التي في أيديهم، وكان أكثر من نصف المنتظرين لا يملكون مظلة من أي نوع، وكنت من هؤلاء، وابتدأت السماء لعبتها، ففي لحظات ابتلّ جسدي كأن الذي مسّه ليس قطرات مطر بل جفنة عملاقة صُبَّت عليَّ دفعة واحدة، ثم راح المطر يتقاطر من شعر رأسي، واتقيته أولا بكتاب الـ (Structure) فلم يحمني إلا بمقدار ما يحمي العصفور رأسه في هذا الانهمال الثرّ، فتلِف وضاع معه العلم، ثم نهش المطر ما تبقى معي من كتب، ورأيت بعض الناس يتخلّون عن طوابيرهم ويركضون في مسارب مختلفة ليتّقوا بكاء السماء، وتمترس آخرون من الذين فضّلوا التبلل الكامل على أن يتركوا مواقعهم من أجل أن يظفروا بنهاية سعيدة رغم كل هذه البلوى… وشعرت للحظة أن الماء يسيل في خيوط كثيفة على ظهري، وأنني شبه عارٍ، وأن الماء سيجرف كل شيء في طريقه.
ونظرت إلى الناس وتساءلت عن جدوى الانتظار لغاية يمكن أن تُؤجَّل في مصيبة لا يمكن أن تُؤجَّل إذا بقيت مكاني، ومع ذلك لم أبرح طابوري، وكان قدوم أي حافلة ماضية إلى أي جهة يشبه إنقاذا من السماء؛ السماء التي تُغرِقنا الآن! وتساءلت من جديد: لِمَ ينتظر الناس؟ ما الذي يدفعهم إلى الصبر في هذه النازلة هذا الوقت كله؟ هل نتجرع السمَّ على أمل الشفاء؟! وخطرت ببالي وأنا واقف في تلك الهيئة أمام ذلك البكاء الفجائعي للسماء، كل أبيات الشعر التي تمدح الانتظار أو تذمّه.
خطر في بالي أول ما خطر بيتَا المتنبي:
اليومَ عهـدكم فأين الـمـوعد؟! .. هـيهـات لـيـوم عـهـدكم غَــدُ!
الموت أقرب مِخْلَبًا من بينِكم .. والعيش أبعد مـنكم لا تبعـدوا
وردّدتُ والمطر يقطر من ذيول ثيابي أبيات ديك الجن الحمصي:
أبـطـا الـرسـول فَظِلْـتُ أنـتظـر .. لا الـنـوم يأخـذنـي ولا السـهر
رَدَّ الـجـواب بــكـل مُـعــضـلـة .. أنْ شـمَّـروا لـلـهجـر واتّـزَروا
اُزْجـر فــؤادك أن يـهـيـم بـهـم .. إن العصا لك -قد أرى- قشروا
ولم أزجر فؤادي عن شيء، بل دفعته إلى الانتظار، وتمنيت أن أظفر بالهزار، على رأي (الزهاوي):
ظفر الروض بالهزار أخيرا .. بعـد طـول انتـظـاره للهـزار
ولم أظفرْ إلا بصقيع كاد يجمّد أطرافي، وتذكرت أبيات السياب الحزينة:
وطال انتظاري كأن الزمان .. تلاشـى فلم يبـقَ إِلا انـتظـارْ
وعيناي ملء الشمال الـبعـيد .. فيا لـيتني أسـتـطـيع الـفِـرارْ
وأنـتِ التقاء الثرى بِالسـماء .. على الآل في نائيات الـقـفارْ
وهيهات أن أفرّ، وفي الروح جذوة لم تنطفئ لغاية لم تأتِ، وتذكرت أبيات ابن النحاس:
إِلامَ انتظاري بالوصال ولا وصْل .. وحـتَّـام لا تـدنــو إلـيَّ ولا أســلـو
وبـين ضـلـوعي زفــرة لو تبوَّأت .. فـؤادك ما أيقنت أن الهـوى سهـل
وعبرتْ أبيات هارون هاشم رشيد عبور القطا إلى الوِردْ في مدى فسيح:
يا صخـرة الانـتـظـار .. أخشى عليكِ انتحاري
أخشى تضيـع حـيـاتي .. في زحـمـة الأعــمـار
فهل كانت حياتي تضيع، ما بين أمل يُقدِم ويأس يُحجم، وحياة مؤرجحة بين غايات ضبابية لا يُعرَف لها وجه، ولا يُدرَى لها كُنه؟!
هذا ما كان؛ انتظرت مع المنتظرين، فربحتُ عودتي وخسرت كل الكتب التي كانت تنتظر هي الأخرى لحظة صحو لم تأتِ!.

صدر لي خمسة دواوين وسبعَ عشرة رواية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق