التّدفّق في الكتابة (1)
بقلم: أيمن العتوم
| 21 أغسطس, 2023
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: أيمن العتوم
| 21 أغسطس, 2023
التّدفّق في الكتابة (1)
لطالما سُئلتُ هذا السؤال: “كيف يمكن لكاتب مثلك أن يكتب رواية أو روايتين في السنة الواحدة؟ إننا نعتقد أن كتابة رواية تحتاج بعد سنة كتابتها إلى سنة أخرى للتّخلص من شخوصها، لكي يبدأ المرء التفكير بعمل روائي جديد!!”. طبعا من يقول ذلك لم يجرب أن يكتب رواية ولا كيف تُكتَب الرواية، وهي بالطبع أعقد وأصعب مما كان يتخيل لكتابتها حين أطلق حكمه هذا، ومن جهة أخرى لم يقرأ أوسع، بحيث تُظهر له قراءته المُوسّعة سذاجة هذا الطرح وبساطته.
في الحقيقة لستُ مهتما بالرد على هذا الحكم أو التساؤل، قد لا يعنيني، فلستُ بِدعا من الروائيين في ذلك، غير أنني أفردت له هذه الإجابة من أجل بعض من يُطلِقون هذا التساؤل مندهشين أو متعجبين، وهم يريدون بالفعل أن يعرفوا، وأن يطلعوا على تجربة حقيقية تُجلّي لهم هذا الشك، وتُوضّح لهم هذا الغموض.
حسنا.. أول خطأ وقع فيه هؤلاء أنهم صدّروا حكمهم إما على وهم تشكل في أذهانهم، أو قياسا على قدراتهم أو ما يعرفون، وكلا الأمرين يجانب الصواب والحقيقة. ومن الضروري قبل أن نجيب بشكل مُوسّع عن هذا التساؤل أن نقرر في البداية حقيقة هي: أن كثرة الكتابة لا تعني الرداءة، وأن قلة الكتابة لا تعني الجودة، وأن القيمة إذا توزّعت على أكثر من عمل قلّت، وأنها إذا توزّعتْ على أعمال قليلة زادت أو تكثّفتْ.
يقول المتسائلون إن كثرة الكتابة ستؤدي بالكاتب إلى أن يكرر نفسه؛ وقد يكون هذا بالطبع أمرا مُحتملا، ولكن دعوني -مثلما أفعل بالعادة- أقف على الضفة الأخرى من النهر وأسأل السؤال المعاكس: هل وُجِد كُتّاب كانوا غزيري الإنتاج ولم يكرروا أنفسهم؟ سيكون الجواب: نعم، موجودون والتدليل عليهم كثير. إذًا، المسألة في الحكم هي الحكم على المُنتَج بعد أن يصدر، فلا أحكام مُسبَقة، ولا يجوز أن نقرر ما نظنه أو ما نتخيل أنه الحقيقة. فما الحقيقة إذًا؟! الحقيقة أن هناك صنفا من الكُتّاب أنتجوا كتبا، ربما يفوق عددُها ما يمكن أن يدخل في الحساب المنطقي، وكان لكل كتاب نكهته وفكرته وجماله.
إن ما يمنح العمل مصداقيته هو قيمة ما فيه، والسرعة أو البطء في الكتابة ليسا مقياسين لا للجودة ولا للرداءة، ومثل ذلك يقال لمن أنتج رواية واحدة في حياته، كما يُقال أنتج مئة رواية. ولكل عمل قوانينه التي تحكمه، وضوابطه التي تعمل فيه، وما ينتجه الكاتب هو ما يُلزِم به نفسه من قوانين يضبط بها إيقاع عمله، ففي حين لا يستطيع أن يجلس كاتب أمام أوراقه وعمله غير ساعة واحدة، هناك كاتب قادر على أن يجلس عشر ساعات في محراب إبداعه، فإذا أنتج الثاني عشرة أضعاف ما أنتج الأول فذلك أمر طبيعي غير مستغرب، ولا يحق لنا القول إن كتاب الأول أجود من كُتُب الثاني العشرة!.
أمير الشعراء أحمد شوقي كتب قصيدته الملحمية عن دمشق:
سلام من صَبا بردى أَرَقُّ .. ودمع لا يُكفكَف يا دمشق
بليلة واحدة، وسافر بها صباحا ليلقيها هناك، لم يقل له أحد: “إنك كتبتها بسرعة، وكان عليك أن تتأنّى وتتأنّق في ذلك، إن قصيدة من خمسة وخمسين بيتا كانت تحتاج منك إلى أسبوع حتى تنتهي منها!!”.
سِرّ الإبداع وزمنه لا يحكمه قانون؛ لأنه هو القانون نفسُه، إنه يتغير ويتحوّر حسب الحالة الإبداعية النفسية، فينكتب ربما في ليلة بذات الروح التي يستجلب آخَرُ عشرَ ليال لينكتب بها!. فلا العدد القليل من الروايات والكتابات مَدعاة للتباهي بأنها عميقة وأنها كُتِبتْ على مهل وبإتقان، وأن عملا ما أخذ عشر سنوات أو عشرين، ولا العدد الكبير مدعاة للتباهي كذلك، وأن عملا ما أخذ أسبوعا أو أسبوعين فقط. ما يجب أن يتباهى الكاتب به هو قيمة ما قَدّمه، والإضافة التي أضافها إلى مجموع الإنتاج الإنساني في هذا المجال.
في الحقيقة أنا أَعُدُّ نفسي من الكُتّاب الكسالى أو قليلي الإنتاج، وهذا ليس ادّعاء بل هو حقيقة، ذلك أنني أقيس نفسي إلى ما أنتجه كثير من الكُتّاب فأقف أمامهم مُستقِلّا ما كتبتُ؛ ولو عرف بعض الناس المُستنكِرين إنتاجَ بعض الكُتّاب لأصابهم الذهول. بالطبع لديّ – دون مبالغة – أكثر من مئة نموذج حاضرة في ذهني للكُتّاب غزيري الإنتاج، ولو أردت أن أظفر بألف منهم لفعلتُ، ولكنني أكتفي بالأمثلة الآتية، أُقدّمها من غير ترتيب ولا اتفاق:
1. كتب الجاحظ أكثر من (300) كتاب في حياته، أحد هذه الكتب -على سبيل المثال- هو كتاب “الحيوان” الذي يتكون من سبعة أجزاء، ويقع وحده في أكثر من أربعة آلاف صفحة!!.
2. كتب ابن جرير الطبري عشرات الكتب، أذكر منها فقط كتابين، هما “تفسير الطبري” الذي يتكون من (13) مجلدا، وكتاب “تاريخ الطبري” الذي يتكون من (11) مجلدا، وتعداد صفحات هذين الكتابين وحدهما حوالي عشرين ألف صفحة!!.
3. كتب الإمام الذهبي أكثر من (200) كتاب، أحد عناوين هذه الكتب: “سير أعلام النبلاء”، كتابه المشهور الذي يقع في (18) مجلدا، ويزيد عدد صفحاته عن عشرة آلاف صفحة!!.
صدر لي خمسة دواوين وسبعَ عشرة رواية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
0 تعليق