الجميلة المحبوبة

بواسطة | ديسمبر 29, 2023

بواسطة | ديسمبر 29, 2023

الجميلة المحبوبة

نتعرف على جمال وفخر لغة العربية، وكيف تتفرد بأسلوبها الفريد والفريد جدًا. هي لغة تتسم بالموسيقى في حروفها وفنونها، وفي هذا المقال سنتناول تحليلًا لبعض جوانبها الرائعة.

العربية: لغة الإيقاع والسحر

حروفها موسيقا، كلماتها فُتون، نَسْجُها سِحر، وإيقاعها لذيذ.. لغة لا تشبه أية لغة، نالت أعزّ شرف في أقدس موضع، نزل بها الرُّوح الأمين على قلب خاتم المرسلين لتكون آية خالدة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؛ ترفع وتخفض، وتبسط وتقبض، تقول بالصمت ما لا يقول غيرُها بالنُّطق، وتَبين بالمُجمَل ما لا يَبين سواها بالمُفصَّل؛ إنها العربية.. العربية التي قال فيها أحمد شوقي:

إن الـذي ملأ اللـغـات مَحاسِـنًا .. جعل الجَمال وسِرّه في الضاد

العربية: لغة الكناية والدلالة

إنها لغة الإيجاز؛

فلو تُرجِم سطر منها إلى أية لغة لاحتاجت اللغات الأخرى إلى سطور وصفحات كي تقول بعض ما قاله سطرها، وأنّى لها ذلك، وكيف يبلغ كعبَ الثُّريّا الثّرى؟!

لغة الكناية،

تقف الكلمة الواحدة فيها أو التركيب المفرد أمام جيشٍ من المعاني، وما ذلك إلا لها؛ تُكنّي عن العطَش بـ (شيطان الفلا)، وعن الحسد بـ (لحق به داء الضرائر)، وعن الندم بقوله تعالى: {يُقلِّب كفَّيْه علىٰ ما أنفق فيها}، وعن القوام الممشوق المسبوك بـ (طويل النّجاد) كما قالت الخنساء:

طويلُ النِّجاد رفِيعُ العِماد .. ســـاد عـشـيـرَتَـه أَمْــردا

وعن الدلال بـ (نؤوم الضُّحى) كما قال امرؤ القيس:

وتُضْحي فَتِيتُ المسك فوق فِراشها   نَؤُومُ الضُّحى لم تَنْتَطِقْ عن تَفضُّلِ

وعن النعش بـ (الحدباء) كما قال كعب بن زهير:

كل ابن أنثى وإن طال الزمان به   يومًـا عـلى آلـةٍ حـدبـاءَ محـمـول

والمقام يتّسع حتى لا يُطاق، وهذا غيض من فيض.

العربية: لغة الموسيقا والحب

 لغة الموسيقا؛ 

فأنتَ تطرب وأنتَ تسمع إيقاع الآيات البينات، والأحاديث الصحيحات، والقصائد الباهرات. وأوقع ما في الموسيقا التقسيم، فانظر حلاوة الموسيقا في قوله تعالى: {وأنّه هو أضحك وأبكى* وأنّه هو أمات وأحيا* وأنّه خلق الزّوجين الذَّكر والأنثى}؛ وانظر إلى ما في هذا التقسيم من لذّة في قوله صلى الله عليه وسلم: “أيها الناس: أَفْشُوا السلام، وأطعموا الطعام، وَصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنّة بسلام”، ولو وقفتَ على هذه الفواصل في نهايات الجُمَل لبانت لك الموسيقا العذبة؛ وانظره في قول عبد بن الطّبيب:

والمرء سَاعٍ لأمرٍ ليس يدركه .. والعيش شُـحٌّ وإشـفاقٌ وتأمـيلُ

لغة الحب؛

الحُبّ الذي تقوله اللغات الأخرى بطريقة أو باثنتين أو حتى بعشر طُرُق، تقوله العربية بألف طريقة، فالعربية وحدها التي تجعل للحُبّ فنونًا وفُتونًا ومنازل ومراتب،

كما جاء في كتاب (فقه اللغة) للثّعالبيّ:

“أول مراتب الحب الهوى؛ ثم العلاقة وهي الحب اللازم للقلب، ثمّ الكَلَف وهو شِدَّة الحب، ثم العشق وهو اسم لما فَضَلَ عن المقدار الذي اسمه الحب، ثم الشَعَفُ وهو إحراق الحب القلبَ مع لذّةٍ يَجِدُها، وكذلك اللوْعَة واللاعِج، فإن تلك حرقة الهوى وهذا هو الهوى المحرق، ثم الشغَف وهو أن يبلغ الحب شغاف القلب، ثم الجَوى وهو الهوى الباطن، ثم التَّيْم وهو أن يستعبدَه الحب، ومنه سمي تَيْمُ الله أي عَبْد الله ومنه رَجُلٌ مُتَيم، ثم التَّبْل وهو أن يُسْقِمَهُ الهوى، ومنه رجل مَتْبُول، ثم التّدْلِيهُ وهو ذهاب العقل من الهوى، ومنه رجل مُدَلَّهٌ، ثم الهُيُومُ وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه، ومنه رجل هائم”

.. وأمّا الإنجليزيّة التي تشيع اليوم في العالم؛ فإنها لا تعبّر عن ذلك إلا بكلمة واحدة هي (Love) سواءً أكانت حُبًّا عذريًّا صافيًا خالصًا، أو حُبًّا جسديًّا بين الزوجين، وربّما تجد له لفظةً أو اثنتين أخرَيَين وحسب؛ فشتّان شَتّان.

العربية: لغة السعة والشعور

لغةُ السَّعَة؛

فإنّ الأسد يُعبَّر عنه باللغات الأخرى بكلمةٍ واحدةٍ يتيمة، ففي الإنجليزيّة مثلاً هو (Lion)، في حين أن له في العربيّة ألف اسمٍ، وكلّ اسمٍ له هيئته ووصفه وحاله؛ فالأسد المُتبختر هو (الوَرْد) كما قال المتنبّي:

وَرْدٌ إذا وردَ البحيرة شاربًا   وردَ الـفراتَ زئيـرُه والنِّيلا
والأسد الهاجم الفاتك هو (الضِّرْغام) كما قال المتنبي:
وَمَن جعل الضرغامَ بازًا لِصيْده   تَصيَّـده الـضّـرغـامُ فيما تَصيَّـدا

والأسد الرابض هو (السُّبَنْتى) كما قال ابن زيدون:

يَلْبُدُ الوَرْدُ السُّبَنْتى .. وله بعـدُ افـتـراسُ

وهو أسماء أبنائنا في العربيّة، فهو (حيدر) و(أسامة) و(أبو عَلَّام) و(نَحّام) و(مَيّاس) وغيرها… وتحدّى المعرّي – في مجلس الشريف الرضيّ في القصّة المشهورة في كتب الأدب- أنْ يأتي القوم بسبعين اسمًا للكلب.. فأيّ لغةٍ تُطيق ذلك، وأيّ لغةٍ كالعربيّة؟!

 لغة الشُّعور؛

فإنّها بحرٌ خِضَمّ، ومحيطٌ لا يُرى له نهاية، فإذا أردتَ التّعبير عمّا يختلج في النّفس من شكّ ويقين، وحزن وفرح، وفخر ومجد، وإقدام وإحجام، فلن تجد مثل العربيّة تُعينُك وتُسعِفُك.

العربية: لغة الخلق والابتكار

فإنّها – علاوةً على أعداد كلماتها التي تفوق عشرين ضعفًا عدد كلمات اللغة التي تأتي بعدها- قادرة على ابتكار عدد لا نهائيّ من المعاني والفِكَر من خلال علائق عجيبة بين المُفردات، باستخدام التقديم والتأخير، والسبك والتمتين، والحذف والإثبات.

العربية: لغة الإعجاز والخلود والتجدّد والديمومة

فما تحدّى الله البشر أنْ يأتوا بمثل هذا القرآن إلا بالعربية، قال حافظ إبراهيم على لسانها:

وَسِعْـتُ كِتابَ الله لفـظًا وغـايةً .. وَما ضِقتُ عَن آيٍ به وَعِظاتِ

وما من لغةٍ تعيش مثلُها، فإن العمر الافتراضيّ لأطول اللغات عمرًا هو بضعة قرون، أمّا العربيّة فلا حَدّ لعمرها، يشيب الزمان ولا تشيب، وتهرم بنت الدهر وهي ما تزال كعابًا، تتجدّد كأنّ ما قيل بها قبل ألف عام قد قيل اليوم!

وستبقى العربيّة مهوى الأفئدة، ورابطة الدّم والرّحم كما قال الشاعر حليم دمّوس:

لو لم تكن أُمُّ اللغـات هي المُنى .. لَكَسَرْتُ أقلامي وعِفـتُ مِدادي
لغـة إِذا وقعـتْ عـلى أسـماعـنا .. كانـت لـنا بَـرْدًا عـلـى الأكـبـاد
سَـتَظـلُّ رابـطـةً تـؤلِّــف بيـنـنا .. فهْـي الـرجـاء لـناطـقٍ بالضّـادِ

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...