العقيدة القتاليّة
بقلم: أيمن العتوم
| 19 نوفمبر, 2023
مقالات مشابهة
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
-
“سيد اللعبة”.. قصة هنري كيسنجر ودوره في الشرق الأوسط (1)
عندما كنت أحضّر حلقة وثائقية من برنامج مذكرات عن...
-
11 سبتمبر.. هل استوعبت أمريكا الدرس؟
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر 2001،...
-
أبناء الله وأحباؤه
يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض...
-
الظلم الغربي في دعم العدوان على غزّة
في القرآن الكريم، وردت الإشارة إلى العدوان سبعاً...
مقالات منوعة
بقلم: أيمن العتوم
| 19 نوفمبر, 2023
العقيدة القتاليّة
ماذا يعني أن يموت كل هؤلاء؟ أن تسقط بالصواريخ والراجمات هذه الأجساد الطاهرة جميعها؟ أن يستمرّ الموت والذبح والتهجير والإبادة بهذا الشكل؟ ما الذي تكشف عنه هذه السلوكات التي تبدو غير مألوفة، لم تأتِ بها حرب سابقة، أو لم تأتِ بمثل مستواها من الفظاعة والبشاعة؟.. الجواب بسيط معقّد في آنٍ معًا: إنها العقيدة القتالية للطرفين.
فأمّا الصهاينة فهم امتداد لعقيدة لم تفارقهم في مجتمع أو عصر أو مصر؛ خيانة العهود، فقد عاهدوا الله فخانوا، وعاهدوا الأنبياء فنقضوا، وعاهدوا الأمم فتنصّلوا!
ثم الكذب الذي لا ينتهي، يقولون لك: مَمرٌّ آمن.. ثُمّ يقصفونك أو يقنصونك في منتصفه؛ يلتقطون الصُّوَر مع كبار السن مِمّن أحنى العمر ظهورهم، على أنهم ذوو قلوب تمتلئ بالرحمة والشفقة على هؤلاء المساكين الذين زَجّت بهم القوى الإرهابية في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ثم بعد أن ينتهي التصوير، يُسدّد المجرمون فوهات بنادقهم إلى قلب هؤلاء العُجُز، فيُردُونهم دون أنْ يطرفَ لهم جفن.
ثم القتل، الذي يُسفِر عن نفوس متعطشة إلى الدماء، تَعطُّشًا لا علاقة له بدفاع أو هجوم، إنه مجرّد تعطُّش مركوز في النفوس تشرَّبَته نفوسهم الأُوَل! ففي سفر (إرميا)، الإصحاح (48) الآية (10) النص: “ملعون من يمنع سيفَه عن الدَّم”؛ وفي سِفر (التثنية) من هذه التوراة التي حُرّفتْ بأيديهم في الإصحاح العشرين، الآية (17): “وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الربّ إِلهُكَ نصيبًا فلا تَسْتَبْقِ منها نَسَمَةً ما”. وهذان نَصّان من عشرات النصوص التي تنضح بالدم وتتخضّب بالسفك، ليس في حالة قِتال فحسب، بل أيضًا في حالة أمن.. في الحالات كلها.
ثم الاستعلاء، فتسعة أعشارهم إلى اليوم يؤمنون بأنهم شعب الله المختار، وأنّ لهم وحدهم حق الحياة والعيش بكرامة، وأنّ كل مَن سواهم هم (جوييم) أو حيوانات أو حشرات، ولقد سمعنا ذلك من أصغرهم إلى أكبرهم في قياداتهم السياسية والعسكرية؛ ولولا أن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي نقلتْ لنا ذلك صوتًا وصورةً وإقرارًا، لشَكّك بذلك كل من يظن أن السلام معهم ممكن، أو يحلم بعيش ورديّ معهم.. عقيدة كهذه ليست بِدْعًا ممّا تفعله اليوم بأهل غزّة، فهي عقيدتُهم مذ وُجِدوا، إنهم فقط مُنِحوا الفرصة من أجل أن يُظهروا شيئًا من حقيقتهم صارخةً واضحةً كاشفةً، دون خجل أو حياء أو مواربة.
وأما العقيدة القتالية عند المسلمين، فقد تأسستْ على أن يُقتَل من العدوّ المُقاتِلة، ومن كان قادرا على حمل السلاح، فأما النساء والأطفال وأهل العبادة من الرجال، فلا يُمَسُّون؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث جيوشه قال: “اخرجوا باسم الله، تقاتلون في سبيل الله مَن كفر بالله، لا تغدروا، ولا تَغُلُّوا، ولا تُمثِّلوا، ولا تقتلوا الوِلْدان، ولا أصحابَ الصوامع” رواه أحمد. وممّا أوصى به أبو بكر جيوشه الذاهبة إلى فتوح الشام: “يا أيها الناس، قِفُوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنى: “لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مُثمِرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيرًا إلا لمَأْكَلة؛ وسوف تَمرُّون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدَعُوهم وما فَرَغوا أنفسهم له”. وهذا ما رأيناه في السابع من أكتوبر الماضي، حين تعامل مقاتِلو المُقاومة مع هذه الأصناف بهذه الرأفة والرحمة، وكانت كلمتهم: “إن ديننا ونبينا يأمرنا بذلك”.
بل إن الإسلام رأف بالطيور المُتضاغِية والحيوانات الضعيفة، ففي سنن أبي داود: “كنا مع رسول الله في سفر فانطلق لحاجته، فرأَينا حُمَّرةً معَها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت تعرِشُ، فجاء النبي فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدَها إليها. ورأى قرية نمل قد حرَّقناها، فقال: من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبَغي أن يعذِّب بالنار إلا ربّ النار”.
إنها العقيدة، التي تُبرِز ما انطوت عليه النفوس في هذه المعارك الطاحنة التي نراها اليوم على أرض غزّة، ومَن أَمِنَ إلى الوحش المفترس يُسكنه بيتَه ويأنس به ما هو إلا أحمق، ومَن رأى أنّ مَن امتلأت أنيابه بدماء ضحاياه من أشلائنا يمكن التعايش معه في مثل هذه الظروف فهو إما جاهل وإما واهم.
صدر لي خمسة دواوين وسبعَ عشرة رواية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها.. تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...
هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟
مع تزايد الدعوات في واشنطن لكي تتولى أوروبا مسؤولية دفاعها وأمنها، ترتجف بروكسل خوفًا من النتائج.. إن التحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يوفر الدفعة التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي لكي يصبح حليفًا أقل اعتمادًا على الولايات...
0 تعليق