الكلمة الرصاصة!

بواسطة | نوفمبر 27, 2023

بواسطة | نوفمبر 27, 2023

الكلمة الرصاصة!

تستعرض هذه المقالة قوة العناصر المختلفة التي تشكل قوة الفرد والمجتمع، حيث تتناول أبعاد القوة من خلال العدد، العُدّة، الفكرة، السلاح، والإيمان، مع التركيز على كيف يمكن للكلمة أن تكون رصاصة فعّالة في مختلف المجالات.

قوة الكلمة كرصاصة: رمز الصمود والانتصار في معركة الحياة

للقوة ألف وجه؛ العدد والعُدّة قوة، الفكرة قوة، السلاح قوة، الإيمان قوة، الروح المعنوية العالية مَرتَبة عالية في القوة! فمن يستطيع أن يحصر القوة في شكلها المادي فحسب؟ لا أحد.. وكذلك الرصاص، ليس له وجه واحد، ومن يظن أنه يستطيع أن ينتصر برصاص القاذفات من البنادق والدبابات والمدافع والصواريخ وحدها فهو واهم؛ فالعزيمة رصاصة، والحَمِيّة رصاصة، والنخوة رصاصة، والكلمة رصاصة.. وجميعها تُضاف إلى مثيلاتها في شِقّها المادّيّ.
والحَمِيّة الرصاصة تمثّلتْ في قولة زهير بن أبي أمية في حصار كُفّار قريش المسلمين في شِعب (أبي طالب): “يا أهل مكة! أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يُباعون ولا يُبتاع منهم؟! والله لا أقعد حتى تُشقّ هذه الصحيفة القاطعة الظالمة”.. حَمِيّته لا دينه – فلم يكن مسلمًا- هي ما دفعته إلى أن يقف هذا الموقف، فهل في العرب أو أهل رَحِمهم من أولي الأمر مَن فيه هذه الحَمِيّة اليوم؟!
وكيف تكون الكلمة رصاصة؟ هي كذلك حين تنهض بالنفوس إلى معالي الأمور لتحقيق غاياتها، أيًّا كانت هذه الغايات، وأيّا كان مدى صعوبتها.

تشكّلتْ بعض غاياتي على ما قرأتُ من حِكَم الفلاسفة والشعراء؛ أكثرُ هذه الطائفة من الذين كانت كلماتهم تدفعني إلى أن أمضي مهما كانت الطريق صعبة فأحقّق الغاية.. المتنبي، كنتُ كلّما نزفتُ في الطريق دمًا وأنا سائر إلى غايتي، يبرز لي بيته:
وأَنْ تَرِدَ الـماءَ الذي شَـطْـرُه دَمٌ .. فتُسْقَى إذا لم يُسْقَ مَنْ لم يُزاحِمِ
وكنتُ كلما قاربتُ على الانهيار، وشارفتُ على الاستسلام، يبزر لي بيته:
ولم أرَ في عيوب النّاسِ شيئًا .. كنَقْـص الـقادرين على التمام
واليوم في حرب غزّة التي نحن شهود عليها كشهادتها علينا، كيف تكون الكلمة رصاصة يمكن أنْ تقتل عدوّك؟ فإذا لم تفعل، فإنها قادرة على أن تبثّ في أوصالك العزيمة، وتُبعِد عنك شبح اليأس.
كلمة طارق بن زياد في فتح الأندلس رصاصة! أورد هذه الكلمة المَقّريّ في كتابه (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب): “أيها الناس، أين المفرّ؟ البحر من ورائكم، والعدوُّ أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر”. وقيل إنه أحرق سفنه حتى لا يدع لهم أملاً بالعودة، وأن يدفعهم على الإقدام؛ النصر أو الشهادة.
وكلمة عبد الله بن رواحة: “إن التي تكرهون لَلّتي خرجْتم تطلبون” رصاصة.. وكلمة عبد العزيز الرنتيسي: “الموت آتٍ سواءً بالقتل أو السرطان، جميعنا ننتظر آخر يوم في حياتنا، لن يتغيّر شيء إذا كان بالسكتة القلبيّة أو بالأباتشي، وأنا أُفضِّل الأباتشي” رصاصة، وقد كان له ما تمنّى.

وكلمة أهل غزّة ممن لا يعرفهم أحد إلّا أنهم وُلِدوا في هذا القطاع المحاصَر رصاصة، وماذا يضيرهم ألّا يعرفهم الناس إذا كان الله يعرفهم؟ وهم القائلون: “لو هدموا بيوتنا كلها فوق رؤوسنا وقتلوا منّا الآلاف فلن نغادر بلادنا.. أين نذهب؟ نفرُّ من أوطاننا إلى أوطاننا، حتى لو كنّا نفرّ من الموت إلى الموت”.
والقائد البريطاني الشهير (مونتغمري) الذي شارك في الحرب العالمية الثانية، قال في كتابه (تاريخ الحرب) ملخّصًا فكرة أنّ الروح المعنوية هي أساس الانتصار: “إن أهم مميزات الجيوش الإسلامية لم تكن في المعدَّات أو التسليح أو التنظيم، بل كانت في الروح المعنوية العالية، النابعة من قوة إيمانهم بالدعوة الإسلامية”.
واليوم، الروح المعنوية التي يتمتّع بها أهل غزّة رغم الثمن الباهظ الذي يدفعونه هي شارة النصر.. نار هذه الرصاصات كلها مصباح الدُّجى، صُوى الطريق، والعلامة الهادية في الليل إلى فجر النصر.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...