المدهش جداً

بواسطة | مايو 11, 2024

بواسطة | مايو 11, 2024

المدهش جداً

لو فتحت اليوتيوب على أي لقاء مع الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن، وتتبعت طريقته في الحديث، لوجدت أن أبرز ما يفعله أنه غالبا يترك كلمة في آخر الجملة لا يقولها.. يتركها أحياناً للتخمين، ويتجاوزها مرّات لأنها واضحة ولا داعي لذكرها، ويتركها أحيانا لأنه يتنبّه أنه ليس من اللائق أن يقولها!

يقف قبلها عند شيء يكرره مثل “و، و، و..” أو “إلـ، إلـ، إلـ”.. يسكت قليلا ثم يقفز من فوق الكلمة المنتظرة إلى الجملة التالية، يترك بين الجملتين جسراً صغيراً من الفراغ يريدك أن تعبُره بفطنتك.

هذه هي تماماً روح الشاعر، وهذا أسلوبه التعبيري الذي جعله يتفرّد على سحابة نصف قرن، ويطير في سرب مختلف يجعل من الشعر حالة حب يكتنفه الغموض.. الغموض المدهش لا الغموض المزعج، الغموض الذي يجعلك تتشوّق لا تنفر.

عندما يخاطب قلبه مثلاً: “يا الله قلبي، سرينا”، لا يخبرك من أين يقوم وإلى أين يذهب.. ويقول: “مدري باكر هالمدينة وش تكون”، ليترك في عقلك السؤال: أي مدينة تلك وكيف ستكون؟

ويضع أمامك عنصرين؛ الليل الضرير والقمر، فيجعل الحالة التي تواجهك هي الليل.. ويخفي القمر وراء هذه العتمة العمياء، ليدعك تفتش عن مسارب الضوء، لأنه لو أعطاك الضوء كاملا لانتهى شغف الشاعر بإدهاشك.

حتى عندما يهدّد: “كل جرح فات لي منك هدية.. وش بلاك تخاف من رد الهدايا؟”.. لا تعرف أهي هدايا فعلاً، أم هي عقوبات؟

والشعراء المميزون كثر.. أكثر مما نتخيل!

بدر بن عبدالمحسن يتميّز عنهم بأنّه (شاعر مدهش).. و”الإدهاش” لعبة ذكية.. المبدعون الأذكياء يلمع في أعينهم دهاء المحترفين الذين ينظرون إليك نظرة يوهمونك أنها بريئة، وستصدّق أنها بريئة، فيبتسمون ابتسامة المنتصر المزهوّ أنه خدعك بذكائه، وأوحى لك أنّ الحمامة التي رسمها بقلم الرصاص قد طارت.. ويمكنك أن تحجز رحلة بالقطار المرسوم بالطباشير على الجدار !!أما هذه الصورة الشعرية فلن تفهمها إلا عندما تكملها بخيالك.. وإلا ستظل مبهمة:

على الغدير.. كانت سما

ويرمي الظما وجهي عليه

على الغدير وجه وسما

لين ارتمى وجهك عليه

على الغدير: وجهي ووجهك والسما

من يسبق ويملي يديه

يشرب ملامح صاحبه

نسيت أن أقول كلمة قالها لي مرة بدر بن عبد المحسن.. قال: عندما تظن أنني إنسان مختلف، ليس من حقك أن تفرض عليّ تعاملاً لايوحي بـ بـ بـ..!

3 التعليقات

  1. نورة الوسام

    تكتب عن المدهش بإندهاش ، فإذا بك ادهشتني بشيء لم ألحظه من قبل، اعتقد سأعاود مشاهدة لقاءات البدر بتركيز أكثر .. شكرًا يا أديبنا الأنيق مقال جميل لمقام أدبي كبير.

    الرد
  2. فهد

    هو ذاك البدر وأكثر رحمة الله وغفر له وجزاك الله عن جمال وصدق ماكتب خير الجزاء

    الرد
  3. Enaam

    مقال مرهف رهافة القصيدة
    منصف إنصاف شاعر ملك الجريدة
    شاعر مرهف الاحساس فهم ما بين سطور البدر
    وخلى الليل عتمة والقمر ورا العتمة طريدة
    واجهك الليل
    والقمر
    مين غير النسر المسعودي يقدر يصيده

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...