حفنة من تراب المقبرة!
بقلم: أدهم شرقاوي
| 13 مايو, 2023
مقالات مشابهة
-
ذلك يوم عزَّ فيه العرب
" ذلك يوم عز فيه العرب".. هكذا جاءت في المرويات...
-
العلم النافع: أساس التدبّر والتمكين
-
لم يخترع محمد علي الذرة!
أزمة الفنان، والمقاول، محمد علي، مرتبطة بمحنة...
-
الوثنيّة وأسبابُها.. بين يدي ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلّم
إلى جانب الجاهليّة التي كانت تمثّل الصّنميّة...
-
دولة تسير إلى حتفها!
عندما يريد الله تعالى أن يهلك الباطل ينصّب عليه...
-
وزارة الحقيقة.. حكاية رواية «1984»
قبل حلول كريسماس عام 1936 بأيام قليلة، دخل صحفي...
مقالات منوعة
بقلم: أدهم شرقاوي
| 13 مايو, 2023
حفنة من تراب المقبرة!
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن الجوزي في عيون الحكايات:
إن ذا القرنين دخل مدينة، فخرج أهلها ينظرون إلى موكبه، الرجال والنساء والصبيان، وكان في المدينة شيخ كبير في السن مقبل على عمله، فمر به ذو القرنين، فلم يلتفت الشيخ إليه، فعجب ذو القرنين من هذا، وأرسل إليه، وقال له: ما شأنك، خرج الجميع ينظرون إلى موكبي، فما بالك أنت أعرضت عني؟. فقال له: لم يعجبني ما أنت فيه!. إني رأيت ملكا مات في يوم واحد هو ومسكين، فدُفنا في ذات التراب، ثم مضت سنوات فنُبشَتِ المقبرة، فما عرفنا عظام الملك من عظام المسكين!. فأُعجبَ به ذو القرنين، ولما خرج جعله واليا على المدينة!.
في هذه الحفنة بقايا شاب، كان قويا يرفع الأثقال في النادي، ولكنه ما فكر يوما أن يرفع لحافه ويقوم لصلاة الفجر؛ ثم صارت العضلات طعاما للديدان
لا شيء يُريكَ تفاهة الدنيا إلا الموت!. ولو خُلِط تراب المقبرة كله، ثم أُخِذت منه حفنة لكانت تلخيصا لحقيقتنا، وحقيقة هذه الدنيا التي نتقاتل فيها!.
في هذه الحفنة بقايا رجل ثري، جمع المال من حلال ومن حرام، أكل ميراثا، واحتكر سلعة، ولم يدفع لأجير حقه.. غصب مسكينا بيتا، وسلب ضعيفا أرضا؛ ثم مضى تاركا وراءه كل شيء كان يجمعه، ليصير ذرات في حفنة في كف يد!.
وفي هذه الحفنة بقايا شاب، كان قويا يرفع الأثقال في النادي، ولكنه ما فكر يوما أن يرفع لحافه ويقوم لصلاة الفجر؛ ثم صارت العضلات طعاما للديدان، وكل ما تبقى من القوة ذرات في حفنة في كف يد!.
وفي هذه الحفنة فتاة حسناء كفلقة القمر، كانت تلبس ثيابا تُظهِر من جسدها أكثر مما تستر!.. كان يعجبها أن تتطاول إليها النظرات، وكانت تطرب لعبارات الغزل من الرائح والغادي، وكانت تحب أن تكون أُمنية في قلب كل من رآها؛ ثم أسدل الموت ستار الحكاية. وهاهي الآن ذرات في حفنة في كف يد!.
وفي هذه الحفنة حاكم ظالم، ووزير متسلط، ومدير متجبر، ورب عمل متكبر، كانوا جميعا يحسبون أن الدنيا باقية وأنهم باقون معها، ثم انتبهوا من غفلتهم حين رأوا وجه ملك الموت، ثم هاهم في هذه الحفنة، وقد زال السلطان وكُسِرَ الصولجان واندثرت السلطة، مجرد ذرات في كف يد!.
وفي هذه الحفنة أيضا فقيه، وقارئ للقرآن، كان يبيع دينه بدنياه، وفيها موظف مرتَشٍ، وطبيب جشع، ومهندس غشاش، وحِرفي كذاب، وزوج متسلط، وزوجة ناشِز؛ عرفوا جميعا على خشبة الغُسل أن اللعبة انتهت، وأن الامتحان قد انقضى وقته، وقد حان وقت الاطلاع على النتيجة، ثم هاهم جميعا مجرد ذرات في كف يد!.
ما ضرهم جميعا أنهم صاروا مجرد ذرات في هذه الحفنة، وهم أسعد الناس الآن حالا، في نعيم البرزخ، ينظرون مقاعدهم في الجنة، ويرددون: اللهم أقم الساعة!
وفي هذه الحفنة أيضا ثري لم يأكل درهما من حرام، وشاب نشأ في طاعة الله، وفتاة راودتها الدنيا عن نفسها فاختارت ما عند الله لأنه خير وأبقى؛ وفيها حاكم عادل، ووزير ناصح، ومدير رحيم، وفقيه لم يبِعْ دينه، وقارئ للقرآن كان يفسره سلوكا وعملا؛ وفيها طبيب طيب، ومهندس أمين، وموظف عفيف، وزوج حنون، وزوجة رؤوم.. ما ضرهم جميعا أنهم صاروا مجرد ذرات في هذه الحفنة، وهم أسعد الناس الآن حالا، في نعيم البرزخ، ينظرون مقاعدهم في الجنة، ويرددون: اللهم أقم الساعة!.
لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
لا تتركوا جبل المحامل وحده في الطوفان
كثيرًا ما أمعنت النظر صغيرًا في لوحة زيتية كانت تزين صالون بيت جدي، تتوسطها صورة رجل طاعن في السن والتعب، يحمل القدس على ظهره مربوطة بحبل الشقاء على جبينه ويمشي حافيًا في صحراء من الرفاق. وكبيرًا عرفت أنها لوحة "جبل المحامل" للفنان سليمان منصور، وهي ترمز إلى الشعب...
ذلك يوم عزَّ فيه العرب
" ذلك يوم عز فيه العرب".. هكذا جاءت في المرويات عن النبي الأكرم ﷺ مقولته، عندما ذُكرت أمامه معركة ذي قار التي قادها العرب في جاهليتهم ضد القوات الساسانية الفارسية، وكان النصر فيها من نصيب العرب. وكأن النبي الأعظم يشير- والله أعلم- إلى مفهوم السيادة والحرية لدى العرب،...
0 تعليق