“قرأت في بعض ما قرأت أن البعوضة تعيش مادامت جائعة، فإذا شبعت وامتلأت ماتت!”.. يقول ذلك “عمر التلمساني” في ذكرياته التي حملت عنوان (ذكريات لا مذكرات) وكتبها عندما بلغ الثمانين من عمره، وقد قضى في سجن عبدالناصر17 عاما انتهت في يوليو 1971.

ويقول: لقد فشل جميع خصوم الدعوة في صرف الناس عنها بعد أن تكسرت النصال على النصال، هذه الدعوة التي ستبقى ما بقي الوجود. والحكام لا عصمة لهم ولا وقاية بعد الله إلا بالصلح مع شعوبهم، متنازلين عن الكثير مما يظنونه حقوقا لهم؛ ولاحق لحاكم في الوجود على شعبه إلا السمع والطاعة، ما أقام فيهم الدين والعدل والإنصاف، وكفّهم عن المعاصي.

 وجاء في ذكرياته: بدأت رجولتي الحقة يوم عرفت أن ديني يطالبني بالعمل على نشره ونصرته مهما لاقيت من متاعب، يوم أن عرفت أن القرآن ليس مجرد بركة يوضع في الجيوب أو يعلق في الحجرات أو السيارات.. إنه عقيدة وسياسة واقتصاد واجتماع وأخلاق وحرب وسلم، وقد أدركت الصليبية والصهيونية حقيقة هذا التشكيل وخطره عليها، فتسللت إلى أذهان حكام البلاد الإسلامية توسوس لهم بأن هذا التشكيل خطر عليهم، وأنه سيحدّ من سلطانهم إن لم يذهبوا به، وصدّق الحكام هذه الدسائس فكانوا البادئين بالتنكيل بالإخوان المسلمين.

 يقول التلمساني أيضا: الانتخابات تجري في كثير من ملابساتها على أساليب لا يقرها شرع ولا خلق.. ففيها الشائعات الكاذبة وفيها الرشاوى والتهديد.. ويقول: والتطبيع الذي يرفع التكليف سيكون أكبر عون لإسرائيل على تحقيق مطامعها، ويوفر لها حماية القوانين الملحقة بمعاهدة السلام.

ويقول اللواء فؤاد عمر: “التلمساني هو أخطر شخصية في الإخوان المسلمين وهو الوحيد بينهم.. الذي يعرف يلعب سياسة”.. وقد تساءلت عن سر هذه الصلابة في الرأي وقوة الشخصية التي ميّزت التلمساني، والتي كان كل سطر في مذكراته ينطق بها؛ فوجدتها في عبارة يقول فيها التلمساني: نشأت في بيت كل من فيه يصلي ويصوم فلا أستطيع أن أتذكر متى صمت ومتى بدأت أصلي، ولا أذكر أن فاتني فرض من وقتها إلى الآن.

الشجرة التي ترسخ جذورها في الأرض المناسبة.. سيرتفع فرعها في السماء

علي المسعودي

كاتب له مؤلفات في الشعر والنقد والقصة

• تغريدة أوليغارشية
• النوق.. وهدرة الفحل
• كروش وقروش!!
• مكارم الشعر.. وكرم الشاعر