خُذِ الأمور بالعقيدة تهون!

بواسطة | مارس 2, 2024

بواسطة | مارس 2, 2024

خُذِ الأمور بالعقيدة تهون!

تبرز قصص الشهداء كمصدر إلهام وقوة للثبات في العقيدة، فمن خلال تجاربهم يتبين أن النصر ليس فقط في البقاء على الحياة، وإنما في الثبات على المبادئ. تتناول هذه المقالة قصص شهداء غزوة أحد ومعاناتهم التي تعطي دروسًا قيّمة.

الثبات في العقيدة – دروس من حياة الشهداء

خُذِ الأمور بالعقيدة تهون.. تخيَّلْ شهداء غزوة أُحد!

حمزة قد بُقِر بطنه، ومُثِّل به، وها هو مطروح على الأرض وقد غطَّى الترابُ وجهه، يا له من مشهد أليم لو رأيته هكذا معزولاً عن الحكاية كلها، ولكنك الآن تعرف أنه سيّد الشهداء، وأنه لو قيل له في ذلك اليوم: أَتحبّ أن ترجع إلى الدنيا؟! لقال: وما يفعل المرء في الدنيا وقد حطَّ رحاله في الجنة أخيراً!

تخيَّلْ فتى قريش الوسيم المدلَّل مصعب بن عمير، ذاك الذي كانت ثيابه تُغسل بماء الورد، ويُجلَب له الطِّيبُ من شتى أصقاع الأرض، فإن مُرَّ في الطريق بعد مروره منها قيل: مرَّ من هنا مصعب! ها قد انتهى به المطاف صريعاً على الأرض، قُطع ذراعاه اللذان كان يحمل بهما اللواء، والنبي ﷺ ينظر إليه فيذرف دمعاً عليه ويقول: كنتُ أعرفه، كان ألينَ فتى في قريش!

‏لم يجدوا لمصعب كفناً يستره في ذاك اليوم! وإنك لو قرأتَ هذه الصفحة من كتاب حياة مصعب فقط فلربما قلتَ: يا للنهاية البائسة!. ولكنك اليوم تعرف مضمون الكتاب كله، وتعرف أن ذاك اليوم كان أسعد أيام مصعب بن عمير!

وإنك لو شهدت اللحظة التي أُضرمتْ فيها نار الأخدود، وبدأ الملك الظالم وجنوده يُلقون المؤمنين، لربما قلتَ، جهلاً بما غاب عنك من الحكاية: يا له من ملك منتصر قضى على خصومه في يوم واحد! ويا لهؤلاء البائسين كيف كانت نهايتهم!

ولكنك الآن تعرف الحكاية كلها من أَلِفها إلى يائها، تعرف وتؤمن أن المرء يمكن أن يخرج من الدنيا منتصراً ولو خرج مقتولاً، وأن المرء كذلك يمكنه أن يخرج من الدنيا مهزوماً ولو استطاع أن يذبح خصمه! أنت تعرف هذا جيداً، تعرف أن أصحاب الأخدود في الجنة خالدين فيها أبداً، وتعرف أن الملك الظالم قد هُزم.. فقِسْ على ما مضى.

وإنك لو ولجتَ غرفة تعذيب فرعون في اللحظة التي اطمأن فيها أن الزيت قد غلى بما يكفي ليذيب اللحم عن العظم، وبدأ يُلقي أولاد الماشطة واحداً إثر واحد، فما تلبث أن تطفو عظامهم، والماشطة ترقبهم دون أن تنبس ببنت شفة، لقلت، جهلاً بما قد سلف: يا لقساوة هذه الأم!

ولكنك سرعان ما سترى أن دورها قد حان، وأنها لن تطلب من فرعون إلا طلباً أخيراً.. أن يجمع عظامها وعظام أولادها فيدفنها جميعاً في قبر واحد!. ستقول، وقد غابت عنك مطالع الحكاية، وما وقفت على القصيد مذ أول الطَّلل: أما كان بإمكانها أن تُبقي على نفسها وأولادها؟!

ولكنك الآن، الآن تحديداً، تعرف الحكاية كلها، تعرف أن ماشطة قد أذلَّت كبرياء ملك كان يقول أنا ربكم الأعلى!. الآن، أنت تعرف أن النبي ﷺ قد شمّ رائحتها ورائحة أولادها في السماء كالمسك ليلة عُرِجَ به إليها!

الآن، والآن فقط، أنت تعلم أن بعض القتلة مهزومون على أيدي ضحاياهم، فإن النصر ليس في البقاء على الحياة، وإنما في الثبات على العقيدة والمبدأ! ولك أن تتخيّل فقط أن نبي الله زكريا قد نُشر بالمنشار، وأن رأس السيّد الحَصور يحيى قد قُدّم مهراً لبغيّ!

‏أمَّا الآن وقد أُسدِلت الستارة، وانفضَّ الجمع فاسمعها منّي: حتى وإن تمزّقت الأجساد، فالأرواح في أجواف طيرٍ خُضر، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش! فلا تبكِ عليهم، ابكِ على نفسك، ما يريد الشهيد الساجد من دنيايَ ودنياكَ؟ ولأيّ شيء ترجع امرأة كان آخر عهدها بالدنيا أنها نامت بثوب صلاتها كي لا تظهر عورتها إذا ما انتشلوها من تحت الأنقاض؟! وما الجميل في دنياي ودنياك حتى يترك أطفال غزّة إبراهيم عليه السلام وسارة ويرجعون إليها؟!

لا تبكِ عليهم يا صاحبي، ابكِ على نفسك، فإنه لو قيل الآن لشهداء قوات النُّخبة يوم العبور المجيد تمنُّوا، لقالوا: اللهمّ عُبوراً كلَّ يوم، وشهادةً كل يوم، فإنما يوم سَعْد الحُرّ حين يغتسل بدمه! 

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

1 تعليق

  1. رحيق شهاب الدين

    جزاك الله كل خير وبارك الله فيك وذكرك الله
    في الملأ الأعلى أستاذي القدير؛ كلماتك جبرٌ للقلوب وشفاءٌ للصدور وتذكيرٌ للغافلين عن معنى التمسُّك بمبادئ العقيدة والإيمان والدِّين.

    كل أوجاع وهموم الدنيا تهون بالعقيدة! ولولا الله وقوة إيمان وعقيدة وثبات وصبر أهلنا الأطهار ومجاهدينا الأبرار، ما صمدت غزة العزَّة أمام كل هذا الظلم والعدوان والخذلان!
    وأقتبس كلماتك العظيمة: “يا أهل غزة: نحن لا نبكي عليكم، مَن ماتَ منكم ماتَ شهيداً، ومَن عاشَ منكم عاشَ عزيزاً، نحن نبكي علينا!”
    حقاً هم الأحياء ونحن الأموات…

    زادهم الله قوةً وثباتاً وربط على قلوبهم ونصرهم نصراً عزيزاً مبيناً، ورزقنا الله إيماناً كإيمانهم وثباتاً كثباتهم.

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

عن الذين لا يعرفهم عمر!

عن الذين لا يعرفهم عمر!

جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر في معركة نهاوند؛ فقال له عمر: النعمان أرسلك؟.. وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة. قال له السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استشهد! فقال له عمر: ويلك، ومن أيضا؟ ‏فعد السائب أسماء من...

قراءة المزيد
حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
Loading...