كنا عظماء يا سادة

بقلم: أدهم شرقاوي

| 18 أبريل, 2023

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: أدهم شرقاوي

| 18 أبريل, 2023

كنا عظماء يا سادة

تقول الأُسطورة: إن بيضة سقطت من عش النسر إثر زلزال عنيف، واستقرت في قن الدجاج.. قررت الدجاجة العجوز أن ترقد عليها حتى تفقس، فخرج منها نسر صغير تربى مع الدجاج، وأخذ طباعهم، وصار يأكل الحب مثلهم!
وفي أحد الأيام كان النسر يلعب في ساحة القن مع أخواته الدجاجات، فشاهد مجموعة نسور تحلق عاليا في السماء… تمنى أن يحلق مثلهم، لكنه قوبل بضحكات الاستهزاء من أخواته، وقلن له: إن الدجاج لا يطير! وبعدها تنازل النسر عن حلم التحليق في الأعالي، وعاش دجاجة ومات دجاجة!
إن حكاية بيضة النسر التي تدحرجت من أعلى إلى قن الدجاج هي حكايتنا نحن!
نحن النسور التي أوهموها أنها لا تنتمي إلى القمم فاقتنعت، ونسيت أنها جارحة، ولها مخالب، وأنها تصطاد، وتقول ملء حنجرتها: (هذا الفضاء كله لي!.)، وأنها أكبر من أن تكون طيرا وديعا، لا تمتلىء حويصلتها إلا بما يلقيه إليها الآخرون من حب، فتأكل ورأسها إلى أسفل!

كنا عظماء يا سادة، كان غضبنا أفعالا، لم نكن نشجب وندين ونستنكر

إن النسور لن تكتشف هويتها من جديد، إلا عندما تقرر أن تطير، ووقتذاك فقط ستعرف أن هذه الأجنة خلقت للقمم!. ولكن من يقنع البذرة الصغيرة أن في داخلها شجرة ضخمة!. لن تعرف هذا حتى تكتشفه بنفسها، حين توضع في حفرة، ويهال التراب عليها، وتسقى بالماء!. وقتذاك فقط ستكتشف أن ما في أعماقها أكبر بكثير من حجمها!
كنا عظماء يا سادة، كان غضبنا أفعالا، لم نكن نشجب وندين ونستنكر، كانت المرأة إذا نادت: وامعتصماه! جهز لها الخليفة جيشا!.. كان عرض امرأة واحدة كأنه أعراض النساء جميعا!
كنا عظماء يا سادة، وكان فينا عزة وأنفة.. ينظر خليفتنا إلى السحابة، ويقول لها: أَمطري حيث شئت، فسيعود إلي خراجك!
وكان يكتب إلى حاكم الروم قائلا: من هارون الرشيد إلى نقفور كلب الروم، الجواب ما ترى لا ما تسمع!
كنا عظماء يا سادة، نحمل لواء العلم لهذه البشرية، وفي العام ١٣١٣ للميلاد أمر الملكُ فيليب بإحراق المصابين بالجذام، لأن روحا شيطانية تسكنهم!. وكنا في العام ٧٠٧ للميلاد قد أقمنا مستشفى تخصصيا لعلاجه!

في قرطبة أيضا كانوا يضعون على باب البيت مطرقتين، واحدة كبيرة وأخرى صغيرة، فإذا ما طرق الباب بالمطرقة الكبيرة جاء الرجل وفتح الباب

كنا عظماء يا سادة، نهتمّ بالنظافة “والإتيكيت”، وعندما كانت لندن غارقة في الوحل والطين، كانت قرطبة تسجل براءة اختراع، كأول بلدية في التاريخ، تنظف الشوارع، وتجمع القمامة!
وفي قرطبة أيضا كانوا يضعون على باب البيت مطرقتين، واحدة كبيرة وأخرى صغيرة، فإذا ما طرق الباب بالمطرقة الكبيرة جاء الرجل وفتح الباب، لأنه يعلم أن الطارق رجل، وإذا طرق الباب بالمطرقة الصغيرة، تفتح سيدة البيت، لأن الطارق حتما امرأة!
كنا عظماء يا سادة، كنا نراعي الكرامات، وكان في بلادنا أيام العثمانيين “حجر الصدقة”.. من كان مكتفيا مد يده ووضع فيه، ومن كان محتاجا مد يده وأخذ، فلا يعلم الناس من الذي يعطي، ولا من الذي يأخذ!
وعلى باب البيت الذي فيه مريض، كانوا يعلقون باقة ورد، فيعرف المارة بهذا، فلا يُحدِثون ضجة!
كنا عظماء يا سادة، وكانت لنا في قلوب أعدائنا مهابة، كانت سفننا إذا مرت بمحاذاة السواحل الإيطالية في طريقها من وإلى الأندلس، تسكت الكنائس عن قرع أجراسها، مخافة أن يثيروا غضبنا، فنفتح المدينة!
كنا عظماء يا سادة، والآن نحن عظماء، وسنبقى عظماء، ينقصنا فقط أن نؤمن بأنفسنا.. أن نخرج النسر القابع في أعماقنا، وأن نطلق هذا المارد المقيد في دواخلنا!

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
سوريا وثورة نصف قرن

سوريا وثورة نصف قرن

سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...

قراءة المزيد
Loading...