لا ظُلم اليوم

بواسطة | مارس 4, 2024

بواسطة | مارس 4, 2024

لا ظُلم اليوم

الأمل يُضيء مسار المظلومين في غزة، حيث يصارعون الظلم بالصبر والإيمان، ينتظرون يوم العدالة والثأر. الأمل ليس وهمًا، بل حقيقة ترسم مستقبل النصر.

الأمل – طريق المظلومين إلى العدالة في غزة

كيف يمكن أن يُحتمَل هذا الظّلم الواقع على أهل غزّة ما لم تكن هناك فسحة للأمل؟ كيف يمكن ألا يدعوهم إلى ما لا يخطر ببالٍ من أن يُلقوا بأنفسهم إلى الموت، ما دام الموت قد غدا أسهل وسيلة للخلاص من العذاب، إن لم تكن هناك الرغبة التي تتملّك المظلوم بأن يعيش ليرى نهاية الظلم والطغيان، وانتصار قضيته العادلة، والثأر ممن ألحقوا به هذا العذاب ولو كان آخر يوم في حياته.

إنّ الفرق بين الألم والأمل، هو مواقع الحروف، فلولا أنّ أهل الأمل هم أهل الألم ممّن غيّروا مواقع حروفه لما استطاعوا الاستمرار في هذه الحياة التي تُصَبّ فيها جهنّم فوق رؤوسهم صبّا:

أُعَـلِّـل الـنـفْــس بـالآمــال أرقـبُـها   ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

ما الذي دعا سُميّة وزوجها ياسرًا وابنهما عمّارًا أن يصبروا على العذاب الذي لا يحتمله بشريّ، يصبّه عليهم أبو جهل وزبانيتُه، وانتهى برحيلها عن هذه الفانية، لولا قول حبيبها: “صبرًا آل ياسرَ فإنّ موعدكم الجنّة”.

ترى سُمَيّةَ في البـطـحـاء صـابـرةً   على عذابٍ يُذِيب الصخـرَ مُلتهِـب

يسـعى إلـيـهـا أبـو جهـل بـغَـدْرتـه   يَسـومُها الـقـتـلَ صبـرًا غير مُتَّئِب

يسيل من رُوحها ما سال من دمها   دمٍ صبيبٍ يُروِّي الأرض مُنْسرِب

تقـول: يا سـيّدي فُزْنا! وقد يَبِسـتْ   شـفـاهُـهـا الذاكرات اللهَ، من جَنَب

يا آل ياسـرَ في الـجنّـات مـوعـدنا   لا تشتكون من الأوجاع والنصـب

جـزاء كـلّ صـبـور فـوْز غـايَـتـه   وحـظُّ كـلّ عَـجُـول فـَوْت مُطَّـلَـب

وما الذي دعا أمّ الرُّبيع بنت البراء حين فُجِعَتْ بابنها يوم بدر أن تصبر حينَ قالتْ للنبي صلّى الله عليه وسلّم: “يا رسول الله، ألا تحدّثني عن حارثة، فإن كان في الجنّة صبرت، وإنْ كان غير ذلك اجتهدتُ عليه في البكاء”. فقال: “يا أم حارثة إنها جِنانٌ في الجنّة، وإنّ ابنكِ أصاب الفردوس الأعلى”.

إنها النهاية التي تعوّض وجع البدايات، ولولا ذلك الأمل بالحصول على تلك النهاية فأيّ عقل يمكن أن يستوعب حجم الفجيعة الذي يعيشه؟!

وإن أهل غزّة اليوم في ما يلحق بهم، ممّا لا يمكن للبشر أن يحتملوه إلا إذا كانوا من أهل الأمل، من نوع من ذَكرَتْهم سِيَر العظماء وكتب التاريخ، لينتظرون عدالة السماء بعد أن انتهى انتظار عدالة الأرض ممّا لاقَوا من التنكّر والخذلان، فكل ما في الأرض قد اجتمع على ظُلمهم، إنهم ينتظرون يوم يُنادَى في الجمع والمُتخاصِمين: “لا ظُلم اليوم”. يوم تُؤخذ الحقوق، وتُردّ المظالم، وينزل أهل الطغيان فينالون نصيبهم ممّا أذاقوا به أهل الحق في الدنيا، وأيّ طاغية حين يأتي ربَّه يوم القيامة فردًا يستطيع أن يحتمل نظرة غضب من جبّار السماوات والأرض، بلهَ أن يحتمل شيئًا من انتقام الله لمن ظُلِموا؟! وإنّ كل بطش الدنيا عند أهل الباطل كلهم، لو جُمِع من أوّل ما سُنّ الظلم إلى يومنا هذا، لا يساوي قطرة في بحر ممّا ينتظرهم بين يدي خالق السماوات والأرض يوم الدينونة، يوم يقوم الناس لربّ العالمين.

الأمل ليس وهمًا كما يعتقد اليائس.. الأمل حالة؛ انظر حولك وستجد أن كل شيء يحتفي بالأمل، كل شيء يتحول إليه، كل شيء يريد أن يكونه! تخيّلْ أنّ الكون والكائنات بلا أمل؛ كيف يمكن أن تكون هناك حياة؟ كيف يمكن أن يُعبَد الله؟!

الآخرة أمل الدنيا.. الفوز أمل المعذّبين.. النهاية أمل المُتعَبين.. الحقيقة أمل الخائفين.. العدل أمل المظلومين.

5 التعليقات

  1. Rawh osman

    كلام من ذهب ✨
    اعظم كاتب في العصر الحالي

    الرد
  2. مصطفى عصمت

    جزاك الله خيرا أستاذى الفاضل

    الرد
  3. زكريا عبدالله

    لله درك من قول

    الرد
  4. mestermhamed

    جزاك الله خيرا أستاذنا الفاضل

    الرد
  5. mestermhamed

    جزاك الله خيرا أعظم كاتب في الوقت الحالي

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...