لُبٌّ لا قُشور!

بواسطة | سبتمبر 2, 2023

بواسطة | سبتمبر 2, 2023

لُبٌّ لا قُشور!

قيل للقاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي: ألا تؤلّف كتابا في أدب القضاء؟ فقال: وهل للقضاء أدب غير العدل؟!. اعدل، ومُدَّ رجليك في مجلس القضاء.
من الأمراض السلوكية التي يتوارثها الناس عصرا بعد عصر، وجيلا بعد جيل، اهتمامهم بالمظهر وإهمالهم للجوهر!. ولست ضد الاهتمام بالمظهر مطلقا، سواء كان مظهرا لشخص، أو مؤسسة، أو حتى دولة؛ فالمظهر هو ما يترك فينا الانطباع الأول.. ما أنا ضده بشدة أن يصبح للأشياء “إيتكيت” هو أهم من الأشياء التي أُنشِئتْ لها، ويصبح للأمور “بروتوكلات” تُراعى بحيث ننسى الغاية التي كانت لأجلها!. كأن تصبح طقوس الجنازة أهم من الميت، ومظاهر العرس أهم من الزواج، وعمامة الواعظ أكبر من علمه، ومطرقة القاضي أكبر من عدله، ولمعان بلاط المستشفى أهم من المرضى، وقبعة حفل التخرج أكبر من مهارات المُتخرِّج، وأناقة الأشجار في الشوارع أهم عند الدولة من رغيف الناس!.
ثمة أشياء تتعلق بالجوهر، إذا قمنا بها فلن يضرنا ما فاتنا بعدها من المظاهر؛ كأن يكسب أحدنا رغيفا نظيفا من الحال ولو كانت ثيابه متسخة، فما فائدة الثياب الأنيقة إذا ارتداها نصَّاب؟ ولكننا عميان ننظر إلى الأول بعين الشفقة أو الازدراء وإلى الثاني بعين الإجلال!.
الموكب الرئاسي الذي توجَّه من المدينة المنورة إلى الشام لاستلام مفاتيح القدس، كان يتألف من عمر بن الخطاب الذي كان يرتدي ثوبا مُرقَّعا، ومساعده محمد بن مسلمة، والناقة!. ولكنه عمر، الرجل الذي كان الشيطان يهرب منه، رجل الدولة الذي أقام العدل، وأنشأ الدواوين، وقارع الإمبراطوريات! فاتت عمرَ فخامة المواكب، ولكنه أدرك جوهر المنصب، فما فاته شيء!.
في الصف الأول كان يقف أمامي البارحة في صلاة العشاء رجل أعرفه قاطعا لرحمه.. وأعرف شخصا يستخدم السواك كثيرا وعليه دَيْن لم يُؤدِّه منذ سنوات، رغم أنه ينفق بعض ماله على كمالياتٍ، سداد أموال الناس أولى منها!. التزام فارغ وطقوس بلا روح، كعجوز في التسعين من عمرها في ثوب عروس!.
مدير المستشفى الذي وقف خطيبا في تأبين أحد الأطباء، تحدث عن إنسانية هذه المهنة، وأنها رسالة لا وظيفة وكسب عيش، وهو الذي عاقب منذ شهر طاقم قسم الطوارئ بأطبائه وممرضيه ومحاسبه، لأنهم عالجوا عجوزا تبين لاحقا أنها لا تملك تأمينا صحيا، ولا نقدا يمكنه أن يُسدد كلفة علاجها!.
ارتدِ ثوبا أنيقا، ولكن لا تنسَ قلبك حتى لا تصبح أرخص مما ترتدي.. واصعد إلى القمة، وحقق نجاحا ساحقا، ولكن لا تدُسَّ على أحد لتصل، فالوصول المُلوَّث انحطاط.
حارب، وانتصر، ولكن بسلاح الشرفاء، فالنصر الخسيس هزيمة مهما حاولت أن تقنع نفسك بالعكس.. واِسعَ إلى منصب مرموق ذي مكتب فاخر بكرسي فاره بشرط أن لا يجلس على الكرسي كيس قمامة بهيئة إنسان!.
حصِّلْ شهادة عالية، ولكن لا تنسَ أن الشهادات مجرد أوراق تعلق على الجدران!. المهم هو الإنسان.

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...