مخدِّرات فكرية!

بقلم: أدهم شرقاوي

| 17 فبراير, 2024

بقلم: أدهم شرقاوي

| 17 فبراير, 2024

مخدِّرات فكرية!

تتعرض المبادئ والمعتقدات في الظروف الصعبة لتحديات متعددة، حيث يتم التشكيك فيها وتحريفها.
يجب عدم الاعتماد على أفعال الآخرين لتبرير الخذلان، بل إن الثبات يمثل عبادة وقيمة أخلاقية.

تحديات الثبات على المبادئ والمعتقدات في ظل الظروف الصعبة

1. سيقولون لكَ: لا تبتئس، فإنه لا يضرّهم من خذلهم.

هذا الحديث لهم، كي يربت على قلوبهم هم، وليس لك لتبرر فيه خذلانك إياهم! صحيح أنه لن يضرهم من خذلهم، ولكن من خذلهم فقد باء بإثمهم! المكتوب سيقع لا محالة، ولكنه يقع بعلم الله له وليس بإجبار عباده عليه.. مكتوب منذ الأزل أن فلاناً سيقتل فلاناً، وأن فلاناً سيسرق مال فلان، ولكن القاتل والسارق سيقفان للحساب يوم القيامة على جرائمهما!

2. سيقولون لك: كثير من العلماء الثقات لا يتكلمون عنهم، ولا يستنكرون سفك دمائهم، ولو كانوا على حق لفعلوا.

وأقول لك: ومنذ متى نعرف الحق بالرجال، يا صاحبي نحن نعرف الرجال بالحق، وهذا أوان أن تعرف أن من حسبتهم ثقاتٍ ليسوا ثقات! ألم تقرأ تاريخ هذه الأمة في زمن أزماتها؟ ألم تعلم أن خمسين فقيهاً أفتوا للمعتصم بقتل أحمد بن حنبل؟! ‏‏العلماء لا يُعرفون من الكتب يا صاحبي وإنما يُعرفون من الحياة، أحمد بن حنبل ليس إمام السُّنة لأنه صاحب المسند، بل لأنه صاحب الجَلْد يوم فتنة خلق القرآن!

3. سيقولون لك: الإعلام لا يتحدث عنهم على أنهم أبطال، أكان إعلامنا سيتركهم لو كانوا أبطالاً فعلاً؟

يا صاحبي، عندما أُلقيَ القبض على عمر المختار، عنونتْ صحيفة برقة بالخط العريض: “القبض على زعيم المتمرّدين عمر المختار”! إذا كان ميزانك في الجرح والتعديل قناة العربية وأشكالها، فإنّه يُؤسفُ عليك أكثر مما يُؤسفُ على رضيعٍ اُنتُشِل قِطَعاً من تحت الأنقاض!

4. سيقولون لك: كان الناس يعيشون بهدوء، ويأكلون ويشربون، فهل كان الأمر يستحق؟!

وهذا هو شأن البهائم دوماً، أنها لا تفكر إلا بالعلف! تُسمَّن بهدوء لتُذبح نهاية المطاف، أما مصطلح الكرامة فمصطلح إنساني لم تسمع به الدواب يوماً!

5. سيقولون لك: ماذا عن كل هذا العدد من الضحايا؟

أولاً: هؤلاء شهداء بإذن الله وليسوا ضحايا! ثانياً: إن الثبات على العقيدة والمبدأ عبادة، وليس تجارة لتُقارَن بالثمن! أصحاب الأخدود أُحرِقوا جميعاً فسمّى الله هذا فوزاً عظيماً! وسُميَّة طعنها أبو جهل بالحربة وهي مثبتة بالأوتاد في الأرض، وهي رغم هذا أولى شهداء الإسلام! حمزة بن عبد المطلب وصهيب بن عمير قتلتهما قريش، ولم يقتلهم النبي ﷺ حين خرج بهم إلى أُحد!

6. سيقولون لك: ألا ترى كيف جاع الأطفال، وكيف مات بعض الناس من الجوع؟!

وأقول لك: جاع الصحابة وعيالهم يوم الخندق، فمن الذي جوّعهم؛ النبي ﷺ حين رفض أن لا يركع إلا لله، أم قريش والأحزاب حين حاصروهم في ديارهم؟!

7. سيقولون لك: ماذا عن موازين القوى؟! ألا يجب أن يكون المرء عاقلاً فلا يخاطر ويغامر؟!

وأقول لك: ماذا عن ثلاثة آلاف في مؤتة بعثهم النبي ﷺ لمواجهة مئتي ألف؟!  ماذا عن اليرموك والقادسيّة؟ أعندكَ فكرة عن تفاوت موازين القوى؟! ماذا عن بدر، والمشركون فيها أربعة أضعاف المسلمين؟! الجهاد يا صاحبي فريضة، وليس رحلة تُؤدَّى بالمستطاع.. فقبل أن تسألهم: لمَ تقاتلون وحدكم؟ سلْ أُمَّةً كاملة: لمَ تركتموهم وحدهم؟!

8. سيقولون لك: هم الذين جلبوا الوبال كلّه!

يريدون أن يُقنعوا ضحيَّة تُقتَل منذ زمن كلَّ يوم ألف مرَّة على يد عدوٍّ حقير وجبان، أن السبب في موتها هذه المرّة أن ضحيَّة أخرى سئمتْ أن تبقى ضحيَّةً، وأنها عرفت أن الحُرَّ يموت واقفاً على قدميه ولا يركع، وأنه لا ضير أن لا يُحقِّق نصراً ساحقاً، يكفيه فخراً أنه خمش وجه عدوّه، وترك فيه أثراً سيبقى يذكره كلما طالع وجهه في المرآة!

لم تقتلكَ جرأة بعض قومك، لقد جعلتكَ ندًّا، كنت قبل اليوم تُقتل سُدى، أما اليوم فإنهم يردُّون صفعةً تلقُّوها، أرأيتَ الفارق بين هذه الموتة وتلك؟! ليستا سواءً أبداً، ولن تكونا، وإني أُعيذك أن لا تُدركَ الفارق بين من قتلكَ بدايةً، وبين من كان يأخذ بثأرك!

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

1 تعليق

  1. رحيق شهاب الدين

    سلامٌ عليك يا أعظم الكتَّاب وأفضلهم، ما شاء الله تبارك الله ما تكتبه حِكَمٌ ودُرَر. جزاك الله خيراً وبارك الله فيك أستاذي القدير، وزادك عظمةً وحكمةً وعلماً ونفَعَك ونفَعَ بك الأُمَّة.

    هم الشرفاء وحدهم مَن يُدرِكون معنى الجهاد في سبيل الله والتضحية والمقاومة والنضال من أجل الحرية والكرامة!

    عافانا الله من الفكر الصهيوني؛ هذا الوباء والمرض الخبيث الذي نَخَرَ في جسد الأُمَّة… وعجَّل الله بالنصر العزيز والفتح المبين والتمكين لمجاهدينا الأبرار أمل ونور وقلب وروح الأُمَّة.

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

لا تتركوا جبل المحامل وحده في الطوفان

لا تتركوا جبل المحامل وحده في الطوفان

كثيرًا ما أمعنت النظر صغيرًا في لوحة زيتية كانت تزين صالون بيت جدي، تتوسطها صورة رجل طاعن في السن والتعب، يحمل القدس على ظهره مربوطة بحبل الشقاء على جبينه ويمشي حافيًا في صحراء من الرفاق. وكبيرًا عرفت أنها لوحة "جبل المحامل" للفنان سليمان منصور، وهي ترمز إلى الشعب...

قراءة المزيد
ذلك يوم عزَّ فيه العرب

ذلك يوم عزَّ فيه العرب

" ذلك يوم عز فيه العرب".. هكذا جاءت في المرويات عن النبي الأكرم ﷺ مقولته، عندما ذُكرت أمامه معركة ذي قار التي قادها العرب في جاهليتهم ضد القوات الساسانية الفارسية، وكان النصر فيها من نصيب العرب. وكأن النبي الأعظم يشير- والله أعلم- إلى مفهوم السيادة والحرية لدى العرب،...

قراءة المزيد
Loading...