مرضى نفسيون!

بواسطة | يونيو 24, 2023

بواسطة | يونيو 24, 2023

مرضى نفسيون!

كان الطبيبُ النفسيُّ “ملتون إريكسون” أُعجوبةً في مجاله، وذات يوم قصدته امرأة تشتكي زوجها الذي يبتزها عاطفيا بادعاء مرض القلب، كي يبقيها في حالة استنفار دائمة ويسيطر عليها بشتى الطرق. وقد قال الأطباء إن قلب الزوج لا يشكو من أي عيب!.
كان يعيش الحالة تماما، ولا يكف عن القول بأنه سيموت بسكتة قلبية!. وكانت الزوجة تشعر بالقلق والغضب، وينتابها إحساس بالذنب طوال الوقت.

الأمراض الجسدية يعاني منها المريض وحده، وقد يشعر من حوله ببعض ألمه، أما الأمراض النفسية فعلى النقيض من هذا تماما، فالمريض لا يشعر بمرضه، والذين معه هم الذين يعانون!.

طلب منها الطبيب أن تستمر في إبداء التعاطف مع زوجها؛ ولكن، على أن تقول له، وبكل تهذيب، في المرة المقبلة التي يتحدث فيها عن السكتة القلبية، إنها بحاجة إلى ترتيب البيت!. ثم تقوم بوضع كتيبات إعلانية تكون قد جمعتها من دور دفن الموتى وتوزعها في البيت؛ وحين يأتي على ذكر السكتة القلبية مجددا، تجلس إلى المكتب وتبدأ بالقيام بالحسابات المتعلقة ببوليصة تأمينه على الحياة!.
في البداية ثارت ثائرة الزوج، ولكنه سرعان ما بدأ يخشى رؤية تلك الكتيبات وسماع صوت الآلة الحاسبة!. وفي نهاية الأمر توقف عن التحدث عن قلبه، وأُجبر على التعامل مع زوجته بصورة مباشرة.
الأمراض الجسدية يعاني منها المريض وحده، وقد يشعر من حوله ببعض ألمه، أما الأمراض النفسية فعلى النقيض من هذا تماما، فالمريض لا يشعر بمرضه، والذين معه هم الذين يعانون!.
المريض بالبخل، مثلا، لا يشعر أن المال بالنسبة له إله معبود، بل أكثر ما يمكن أن يشعر به أن في نفسه حاجتين يجب أن تُشبعا: الحصول على المال وعدم إنفاقه!. لهذا فإن مشكلة البخيل مع الآخرين ليست نابعة من علاقته بالآخرين، وإنما من علاقته بنفسه، فثمة تهديد يطال بنيته النفسية إذا طُلب منه المال!. وفي سبيل الحفاظ على استقراره يموتُ في اليوم ألف مرة كل شخص محيط به!.
هناك أشخاص مرضهم النفسي في حاجتهم للشعور أنهم مرغوبون، وأي شخص يمكن أن يُشبع لهم هذه الحاجة يمشون معه، بغض النظر عن مدى علاقتهم بالأشخاص الآخرين الذين يُشبعون لديهم هذه الرغبة أيضا؛ بل وتجدهم يفصلون أساسا بين مصادر إشباع هذه الرغبة، ويتعاملون مع كل شخص منهم على حِدة، إذ لكل شخص في قلوبهم صفحة، ويا لرشاقتهم في التنقل بين الصفحات!. أما لحظات قذارتهم المفضلة، فهي حين تغار صفحة من صفحة أخرى.. هؤلاء لا نجاة منهم إلا حين تأخذ الأمر بعقلك، ووقتها فقط ستشعر بالقرف، ستضبط عواطفك، لأنكَ أدركتَ أخيرا أن المرءَ إنما يغار على الأشياء التي تخصه وحده، ويشعر أنها تنتمي إليه، فالإنسان قد يقتل شخصا اقتحم بيته، ولكنه لا يزعجه اكتظاظ الناس في الحدائق العامة.. مرضى إشباع الرغبة حدائق عامة، فابحثْ لكَ عن بيت!.

الأمراض النفسيَّة لا تُعالَج بالجدال، لأنك بالأساس تُحاول أن تُقنع شخصا بشيء فيه ولا يراه، وهنا تكمن المشكلة!.

ومن الأمراض النفسية المستعصية مرض “البجاحة”، هذه الوقاحة المتوغلة حتى العظم! .
يغرسُ أحدهم سكينه في ظهركَ ثمَّ يتذمَّرُ من صوتِ أنينك!. يأكل لحمك غيبةً، ويُدبِّر لكَ كيدا، وإذا ما طفح فيك الكيل وتكلَّمتَ، اشتكى من قلّة أدبك!. عليكَ أن تكون ضحية مسالمة، مُتْ بصمتٍ، يا لوقاحتك!.
يضربكَ ويبكي، يغدر بكَ غدر الثعلب القذر، ويلبسُ عباءة الحمل الوديع!. ينظرُ في ردّة فعلكَ، ويحاسبك عليها، وينسى فعله!.
الأمراض النفسيَّة لا تُعالَج بالجدال، لأنك بالأساس تُحاول أن تُقنع شخصا بشيء فيه ولا يراه، وهنا تكمن المشكلة!. إنهم لا يرون المشكلة، انجُ بنفسك فحياتك لا يجب أن تكون مصحَّة نفسية.

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...