مكارم الشعر.. وكرم الشاعر

بواسطة | مايو 18, 2024

بواسطة | مايو 18, 2024

مكارم الشعر.. وكرم الشاعر

الأخلاق هي ثروة الأمم الفكرية والحضارية، التي تصنع كياناً بشريّاً تسوده قيم الخير والحق والعدالة، فالأمة التي تصاب في أخلاقها هي أمة منكوبة:

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم   فـأقـم علـيهم مأتـمـاً وعـويـلا

فبقاء الأمم واستمرارها ورقيها رهن التزامها الأخلاق الكريمة، وتمسكها بها؛ “فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.. وإتمام مكارم الأخلاق هذه في مقدمة القيم التي بُعث لأجلها النبي صلى الله عليه وسلم، القائل: “إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق”.

ويجد المتتبع للشعر العربي قديمه وحديثه أن شاعراً لا يكاد يخلو شعره من حديث الأخلاق، أو دعوة إلى مكارمها أو فخر بامتلاكها، أو قصص لأسماها وأكثرها إبهاراً عند العرب، وهم الذين لم يتركوا التخلق بالشيم المحمودة والخصائل الفريدة حتى يوم كانوا في كفر الجهالة وضلال العقيدة.

فهذا زهير بن أبي سُلمى، يرسم لوحة جميلة للفخر بالأخلاق الكريمة:

فما يـك مـن خـيـر أتـوه فإنـما   تـوارثـه آبــاءُ آبــائِـهــم قـبــلُ

وهل يُنبِت الخطّي إلا وشيـجُهُ   وتُغرَس إلا في منابتها النخلُ؟

ورمز الكرم العربي، حاتم الطائي، يعطي توجيهاً شعريا نحو الأخلا ق الكريمة، وهو الذي قال عنه الأصمعي: كان حاتم جوادا كريما، وكان شعره يشبه جوده، وكان جوده يشبه شعره، قال الطائي:

فجاور كريماً واقتدح من زناده   وأسـند إلـيـه إن تـطـاول سُلّـما

وهكذا جاءت أشعار المؤسس، الشيخ جاسم بن محمد، انعكاسا حقيقيا لشخصيته؛ فقد كان (رحمه الله) رجلاً متديناً نقياً، شديد الخشية لله، عادلاً في أحكامه وأقضيته؛ كما كان صاحب عقيدة، بعيداً عن البدع والمحدثات، يجلس من بعد صلاة الفجر في مصلاه يذكر الله حتى طلوع الشمس فيقوم فيصلي ركعتين، وكان يؤم الناس في صلواتهم، ويخطببهم الجمعة، وإذا خطب أذهل السامعين، وجذب قلوبهم إليه، وهو من أركان العربية وأنصارها، يباشر بنفسه تعليم الناس، كما يباشر القضاء والفصل في المنازعات بين مواطنيه. وقد ختم حياته وهو يردد كلمة التوحيد.. فهو رجل من أفذاذ الرجال الذين قلما يجود التاريخ بأمثالهم:

صبرنا لها ما زعزع الدهر عزمنا   ونلـنا بهـا العـلـيـا علـى كل طـايـل

إن الهمة العالية هي سلاح القلب في كل موطن وفي كل موقف، يذود بها عن حماه ويخترق بها المصاعب والمشاق، ويتقدم بها الصفوف، ويعتلي بها أعلى الدرجات.. وترجمة لهذا المعنى قال:

 قلبٍ يورِّدني ونفسٍ تسوقني    لموارد عـزٍ حولهن أخـطـار

شطر مليء بالرجولة، والقوة والعزة، والكرامة والشجاعة، والكرم والبشائر.. شطر لا يكتبه إلا زعيم حقيقي..

فحِنّا حرار في ليالي السيالي   هـدّاتنا يفـرح بها كل مغبون

والحديث عن المؤسس والأخلاقيات المبثوثة في شعره طويل، وضعت جانبا منه في كتابي “المعالي كايدة”، الذي أسعى لطبعه قريباً إن شاء الله.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

عن الذين لا يعرفهم عمر!

عن الذين لا يعرفهم عمر!

جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر في معركة نهاوند؛ فقال له عمر: النعمان أرسلك؟.. وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة. قال له السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استشهد! فقال له عمر: ويلك، ومن أيضا؟ ‏فعد السائب أسماء من...

قراءة المزيد
حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
Loading...