من الذي اختار الحرب؟!
بقلم: أدهم شرقاوي
| 25 مايو, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: أدهم شرقاوي
| 25 مايو, 2024
من الذي اختار الحرب؟!
جاء وزير الدفاع البوسني حارث سيلاديتش إلى الرئيس علي عزّت بيغوفيتش، وقال له: سيادة الرئيس، إنّ الصرب قد اختاروا الحرب. فقال له بيغوفيتش: الحرب تحتاج موافقة الطرفين.. فقال له وزير الدفاع: هذا تعريف الحُبّ، وليس الحرب يا سيادة الرئيس!
الكثير من الحروب تختارك ولا تختارها، تجد نفسك في أتونها رغماً عنك! ونحن لم نبدأ حربنا في السابع من أكتوبر، نحن بدأنا هذه المعركة فقط، أما الحرب فقد بدأت قبل أن نولد، فتحنا عيوننا على الدنيا فوجدنا أنفسنا في الميدان، فكنّا بين خيارين لا ثالث لهما: حياة الذليل أو موت الكريم! ونحن لا نعرف إلا أن نكون كراماً!
قبل دخول بريطانيا الحرب العالمية الثانية، كان رئيس الوزراء تشامبرلين ميّالاً إلى عدم دخول الحرب، فقال له وينستون تشرشل: لقد خيَّروك بين العار والحرب، ولقد اخترتَ العار، والحرب ستُفرض عليك!
الكثير من الحروب وإن بدتْ هجوميّة فإنها تكون لغرض الدفاع! النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى تبوك في غزوة ظاهرها هجوميّ، أو ما يُسمّيه الفقهاء جهاد الطلب، ولكن الحقيقة أن غرض الغزوة كان دفاعيّاً! فهو لم يخرج إلا استباقياً بعدما علم أن الروم قد جمعوا له، لهذا هي حرب تندرج تحت ما يُسميه الفقهاء جهاد الدفع؛ وهذا هو السبب الذي أدى لاتخاذ إجراءات عقابيّة على الثلاثة الذين تخلَّفوا، لأن جهاد الطلب فرض كفاية، ولا إثم على من لم ينخرط فيه، بينما جهاد الدفع فرض عين، وآثم من قعد عنه.
هكذا كانت أيضاً معركتنا في السابع من أكتوبر، دفاع في زيّ الهجوم، خطوة استباقيّة، تتغدى بعدوّك قبل أن يتعشى بك! هذه الحرب كانت ستكون ولو بقينا في بيوتنا وخنادقنا، ولكننا اخترنا المباغتة بدل أن نُباغَت، وأن نبدأ الصفعة قبل أن نتلقاها! لقد خيّرونا بين العار والحرب، فاخترنا الحرب لأننا نعلم جيّداً أنه ليس بعد العار إلا الحرب!
ثمانية أشهر وما هان العزم، تعب القاتل ولم يتعب القتيل! ثمانية أشهر والحرب سجال، قذائف الياسين أفصح لساناً من قمم الذل والعار للشجب والإدانة! وقنّاصة الغول أفصح بياناً، لأنها تتكلّم اللغة الوحيدة التي يفهمها هذا العالم، لغة الرصاص!
فالسلام على القسّام البارحة واليوم وغداً، وإلى قيام الساعة..
السلام على عيونهم التي لا تنام لأنها تحرس مسرىً تركتْ أمرَه إليهم أمة كاملة! السلام على وجوههم المطليّة بالجهد والتعب، فإنما تُؤخذ الدنيا غلاباً! السلام على أصابعهم الضاغطة على الزناد!
السلام على أمعائهم الخاوية، وكراماتهم المتخمة حتى الامتلاء! السلام على دمائهم، وأرواحهم، فإن الله اشترى!.. والقُبلات، الكثير من القبلات لأقدامهم، إنه لشرف أن يضع المرء فمه على شيء ثبّته الله!
نحن – ككلّ شعوب الأرض- كنا نتمنى لو كان لنا وطن حرّ، نبنيه حجراً حجراً، أن يكون لنا بيوت جميلة لا تُسوّيها الدبابات بالأرض، وزوجات لا تُفتّت أجسادهُنَّ القذائف، وأولاد لا تقصفهم الطائرات فتقطف أعمارهم باكراً، ومساجد لا تُهدم قبابها على روّادها، وجامعات لا تتحول في ثوانٍ من صروح علميّة إلى أكوام ركام، ومستشفيات لا تطؤها أقدام الغزاة.
نحن نحب الحياة كثيراً، نحب أن يتخرّج أولادنا في الجامعات بدل أن يُدرجوا في الأكفان باكراً، نحب أن يكون لنا أعراس لا مآتم.. ولكنّ الحياة في هذا العالم على ما يبدو لا ينالها بعض الناس إلا عن طريق الموت، وقدرنا أن نكون بعض هؤلاء!
جئنا إلى الدنيا فوجدنا أنفسنا وعدَ اللهِ، عباداً لله تأذَّن سبحانه أنهم سيسومون أحفاد القردة والخنازير سوء العذاب، ووعْدَ رسوله صلى الله عليه وسلم أننا في بيت المقدس وأكنافه لا نزال على الحقّ ظاهرين، لا يضرنا من خذلنا حتى يأتينا أمر الله ونحن كذلك!
جئنا إلى الدنيا فوجدنا أنه قبل ألف وأربعمئة سنة قد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: “وخير الجهاد يومئذ جهاد عسقلان”! فأرسلنا إليها الكتائب فجاست خلال الديار، نحن لسنا بأمر أنفسنا، نحن بأمر الله باقون بحفظه ولو نزفنا، وبأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ولو بكينا الأحبة والرفاق، يُعزّينا أننا باقون رغماً عن العالم، يُسلّينا قول ابن حجر: حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، أي عيسى ابن مريم.
فيا حظّ من نصر، ويا تعسَ من خذل، وللحكاية بقيّة، ولن نترك الساح ولن نلقي السلاح!
لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾
نِعْمَ الجهادُ جهادُهم، وكما قال صوت الحق وعزيز وحبيب الأمة أبو عبيدة: “والله لو هرب الصهاينة إلى السحاب لأَمطرهم اللهُ على غزة ليذوقوا بأسها، ولو ألقوا بأنفسهم في البحر لقذفهم اللهُ إلينا لِنَسُوءَ وجوههم؛ فأنتم أيها المجاهدون قدرُ اللهِ الغالب”
رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل الله مجاهدينا الأبرار العظماء يذيقون الصهاينة مزيداً من البأس الشديد وإساءة الوجه والإذلال، وحفظ الله أهلنا الأطهار وزادهم ثباتاً وإيماناً وعجَّل لهم بفرجه ونصرهم نصراً عزيزاً مؤزَّراً وفتح لهم فتحاً مبيناً قريباً.
هُنا باقون كالملح في جروح الأعداء، كالشوكِ في حلوقهم، فمجاهدونا هم وعدُ رسول الله ﷺ “حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”، نقبِّل التراب المقدس الذي تخطو عليه أقدام مجاهدينا الشريفة…
جزاك الله خيراً ورضي عنك وأكرمك وأعلى شأنك في الدنيا والآخرة أستاذي القدير.
“هذه الحرب كانت ستكون ولو بقينا في بيوتنا وخنادقنا، ولكننا اخترنا المباغتة بدل أن نُباغَت، وأن نبدأ الصفعة قبل أن نتلقاها! لقد خيّرونا بين العار والحرب، فاخترنا الحرب لأننا نعلم جيّداً أنه ليس بعد العار إلا الحرب!”
هذه محاولة للهروب من جريمة جلب الحرب والخراب والدمار إلى قطاع غزة وهي نائمة وربما ميتة. ليس هناك دليل واحد منطقي أو عقلاني على فرضية أنها “كانت ستكون”… هي حرب ببساطة لأن أحدهم وعد صديقه بوعد وأراد أن يفي بوعده بهذا الشكل وفي أسرع وقت بغض النظر عن النتائج. شخص واحد وربما عدد أكبر لا يزيد عن عدد أصابع اليد قرروا ذلك وليس نحن ولا أنتم ولا أهل غزة. لم نكن نعيش العار في غزة بينما تعيشونه أنتم الآن فأرونا ما بعد العار إن كنتم صادقين!!