موظَّفون!

بقلم: أدهم شرقاوي

| 17 سبتمبر, 2023

بقلم: أدهم شرقاوي

| 17 سبتمبر, 2023

موظَّفون!

في كتاب “أخبار القضاة” لمحمد بن خلف وكيع: قال معاذ بن معاذ القاضي لابنه: “أي بُنيَّ، امضِ بنا نجلس للناس”، أي نكون في مجلس القضاء، فنسمع للخصوم ونقضي بينهم. فقال له ابنه: يا أبتِ، هذا يوم مطير لا يجيء فيه الناس!.
فقال له: يا بُنيَّ، امضِ بنا، فبِمَ نستحِلُّ أن نأخذ كل يوم كذا وكذا درهما أُجرة على عملنا؟
وخرج تحت المطر، وجلس للناس للقضاء!.
هذه القصة حريٌّ أن يعرفها كل موظف، وأن تُعلَّق على أبواب الشركات، والمؤسسات، والمدارس، والمستشفيات، وكل مكان فيه ناس يعملون مقابل أُجرة، ليقرؤوها كل صباح فيتذكروا هذه المقولة العذبة: “فبِمَ نستحلُّ أن نأخذ؟!”.
من الأشياء التي اُبتلِي بها الناس على مرِّ العصور مرض “التطفيف”، بحيث لا يقبل أحد من الناس حقَّه ناقصا قشَّة، وهذا شيء جميل، يعجبني الذي لا يتهاون بحقه.. ولكن هذا في المقابل قد لا يُؤدي واجبه كاملا!.
يريدُ أن ينزل الراتب على الوقت، ولا يحضر هو إلى الدوام على الوقت؛ ويريد من مدرائه أن يعاملوه باحترام، ويسيء هو إلى مراجعيه  أو من يؤدي لهم خدمة ما.. يقيم الدنيا ولا يُقعدها إذا طُلبَ منه أن يعمل في يوم إجازة، ولكنه يغيب عن عمله دون سبب مبرر للغياب!. هكذا نحن دوما، ثُوَّار إذا ما تعلَّق الأمر بحقوقنا، فاسدون إذا ما تعلّق الأمر بواجباتنا! وهذا توصيف من باب الغالب المُشاهَد، لا من باب التعميم غير المسؤول.
ما منا من أحد إلا وتمَّتْ “مرمطته” في إحدى الدوائر الرسمية، بينما معاملته لا تحتاج إلا إلى دقائق لإنجازها، ولكنهم دوما يقولون لكَ: ارجع في الغد. ولا أذكر أن أحدا قال لي مرة: ارجع في الغد، وكان يعمل في تلك اللحظة! ثم عندما ترجع في الغد، يُخرج لكَ معاملتك من بين المعاملات، ويضع عليها ختمه، ويناولكَ إياها، الأمر لم يكن يحتاج إلا إلى ثوانٍ، ولكن لا أحد يعرف لماذا عليك أن ترجع في الغد!.
المشكلة أننا لا ننتبه إلى أمر هام وهو أن كثرة الموظفين ناشئ عن “بيروقراطية” إدارية، هات وخُذ، تشقلبْ هُنا، ازحَفْ هناك؛ وإلا لو نظرنا إلى كمية العمل لوجدنا أن عشر وظائف يمكن أن يؤديها موظف واحد، ولكن على قول جدتي رحمها الله: رضينا بالبين والبين ما رضي فينا!.. يُشعرونك دوما أنهم يعملون صدقةً لا مقابل راتب، لا بد أن يُسمعوكَ موشحة ضغط العمل، عليكَ أن تتحمل أمزجتهم لأنهم مضغوطون، أما أنتَ فحياتك بسبوسة بالقشطة!.
السرقة ليست فقط أن تأخذ مالا عامّا، وإنما أن تأخذ أُجرة مقابل عمل لم تؤده كما يجب!.

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...

قراءة المزيد
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...

قراءة المزيد
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...

قراءة المزيد
Loading...