هل ما زال أدب المقاومة حاضرا؟

بقلم: أيمن العتوم

| 2 أكتوبر, 2023

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: أيمن العتوم

| 2 أكتوبر, 2023

هل ما زال أدب المقاومة حاضرا؟

هكذا هي الحرب.. كيف يمكنك أن تتغلب على غولها دون أن تمدّ ذُبالة روحك بكلمات تحيا بعد أن تكون آلتُها قد طحنتك أو طحنت جيلك غير آسفة؟! تموت الأزهار مبعثرة الأشلاء على ساحتها، ومن عجبٍ أن دماء تلك الأزهار الفتية، تُنبِت على أرض المعركة الأزهار من جديد! أهو استمرار لسرّ البقاء في ساحة الفناء؟ أم هو امتداد لخيط الدم الذي يبدأ من التراب ثم يعود إليه، ثم يخرج منه تارة أخرى أكثر كَشْفا، وأبلغَ بيانا، وأفصحَ منطقا؟! من يستطيع أن يقف في وجه الأزهار وفَوْحها، والورود وبَوْحها؟ من منكم يُنكِر أنه رأى شذاها يتغلب على رائحة البارود والدخان؟! ماتت البنادق وظلّ الياسمين حيّا، ثم لمّا مات الياسمين، ظلّ عطره في الأرواح مذخورا لأجيال قادمة سوف تعرف الحقيقة حين تتعرّف إليها الرّائحة… أهو انتصار الجرح على السيف؟ أم هو ظَفَر الياسمين بعبق الخلود؟!
إن مصطلح: أدب المقاومة، في مضمونه الواسع – بالضرورة – ليس جديدا، وليس نِتاج عصرٍ أنهكته الحروب، واستحوذت عليه الاحتلالات في مشارق الأرض ومغاربها… إنه قديم، قِدَم الأدب نفسه؛ فمنذ أن كانت الحروب تُسعَّر، والديار تُستباح، كان الشعراء يقفون إلى جانب قضاياهم العادلة يقاومون الاحتلال، ويصرخون في وجوه أقوامهم وشعوبهم ألّا تستسلم للمعتدي، ولا تلجأ إلى الذوبان، ولا تركن إلى التبعيّة.
تُرى، كم احتلالا مرّ على شعوبنا؟ وكم شاعرا تصدّى للمحتل؟ ومنذ متى كان الأدب والشعر سلاحا يُستخدَم لمواجهة المحتل، أو للدفاع عن الهُوية؟! أكان شعراء المقاومة موجودين منذ الحروب الأولى التي قامت بين داحس والغبراء، ومنذ أن تفتّق برعم الشعر فرأى الأبَ يُقتَل عند امرئ القيس والأخَ يُذبَح عند المُهلهَل، فطالبا بالثأر لهما فصاغا ذلك شعرا؟.. منذ متى كان الشعر شكلا آخر من أشكال السلاح، وآلة أخرى من آلات الدفاع؟ أكان ذلك منذ أن نصب الرسول صلى الله عليه وسلم لحسّان بن ثابت مِنبرا بجانب منبره، وقال له: اهجُهم وروح القُدُس معك؟ أم حين ثمّن سلاحه المعنوي وقارنَه بسلاحه المادي، قائلا له كذلك: لَكلامُك عليهم أشد من وَقْع النبل؟.. ومنذ متى كانت الكلمة تحرِّك جيوشا، وتجيِّش الناس ليهبّوا إلى القتال كأنما حُقِنوا بإكسير الشجاعة فاندفعوا غير هيّابين، ولا مُرجِفين؟ هل جاء ذلك مع الكلمة التي قالها عبد الله بن رواحة في معان: إن التي تَهابون لَلّتي خرجتم تطلبون؟ أم هي الكلمة التي قالها عكرمة بن أبي جهل في اليرموك حين استحرّ القتل وحمي الوطيس: من يبايِع على الموت؟!
ومنذ متى كان الشعر يحمي صاحبه في أتون المعركة، من شبح الخوف، ويكسر أمامه جدار التّفكير بالتراجع؟ أكان ذلك منذ أن قالها ابن رواحة في مؤتة صائحا:
(أقسمتُ يا نفسُ لَتَنْزِلِنَّه   لتـنـزلـنَّ أو لتُـكرَهـِنّـه)؟
أم مع الكلمة التي قالها قبله جعفر الطيار هاتفا:
(يا حبذا الجنة واقترابها   طيـّبـةً وباردًا شـرابُهـا)؟!
أكان من المعقول أن كلماتٍ قلائلَ يشدو بها بطلٌ مثل جعفر، تمنحه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء؟! أطارت به كلماته، أم طار به جناحاه، أم كانت الأولى سبيلَ الأخرى؟
كيف يُمكننا أن نفهم ما تفعله بضعة أسطر يهتف بها طارق بن زياد: العدوّ من أمامكم والبحر من ورائكم، وليس لكم– والله – إلا النصر أو الصبر… كيف يمكن لهذه الكلمات أن تصنع نصرا وتفتح بلادا؟ هل تصلح المعادلة إذا استوى شِقّها الأول هذا أمام شقِّها الثاني؛ شِقِّ الهيمنة الإمبريالية التي تسوق مُرتزِقَتها إلى الحرب سَوقا، وتنفق عليهم بعد ذلك ملايين الدولارات لتعالج ما يصيبهم من الآثار النفسية بعد الحرب؟!
وهل الشعر رصاصة الشاعر الأخيرة التي يطلقها، حين تُكمّم الأفواه، وتُحبَس الأنفاس؟ أم الشّعر حَمَامات سلام وريحُ صَبا؟…
ومن هم شعراء المقاومة؟! أهم الذين حملوا أرواحهم على صفيح كلماتهم، حين حمل رفقاؤهم أرواحَهم على فُوّهاتِ بنادقهم؟ وهل ثمّة شبه بين الكلمة والرصاصة؟ وهل هما ينطقان عن فِيْهٍ واحدٍ؟ هل ينزعان عن قوسٍ واحدة؟.. وأين هم الآن؟ هل ما زال هذا المصطلح صالحا في عصر العولمة، وتراجع الثقافة، وتغوّل وسائل الاتصال السريعة على منابت الثقافة العميقة؟.
أخَفَتَ بريق هذا النوع من الشعر عُزوفًا عنه، أم تنامى وتصاعد وعاد بريقه يخطف الأبصار بسبب تنامي قوى العدوان والشر في الأرض، واستمرار احتلال الأرض والعباد؟
أَنالَ هذا النوع من الشعر حظه من الانتشار، أم لم يجد له موقعا على خريطة الشعر العربي لأن بعض النقاد ينظرون إليه على أنه شعر مناسبات، لا يصمد أمام الزمن؟ وأنه شعر خَطابي مباشِر تذهب مباشرته بكينونته أمام ما يتطلّبه الشعر من الصورة العميقة المركّبة، والرموز والإيحاءات المكثّفة كي يُكتَب له البقاء، أو كي يقع في أيدي النقاد فيعمدون إلى الاحتفاء به، وتمجيده؟ أهذه التهمة لاصقة بشعراء المقاومة، أم هي محض افتراء؟
ثم هل شعر المقاومة اقتصر على شعراء التوجّهات اليساريّة دون سواهم، فأبدعوا فيه أيّما إبداع، وحلّقوا في أجوائه كل تحليق؟ وهل شعراء المقاومة الإسلامية مُتّهمون بالتقصير؟ وهل ما زالت الأيديولوجيا الإسلامية ترى أن مفردات الجهاد تتحقق بالسلاح في ميدان المعركة، وأن الشعر هُلاميّات زائدة على وقودها؟
أَأَخذ الشعر المُقاوِم حقه من التوسيط الثقافي والإعلامي، كما أخذ غيرُه حقَّه من ذلك، أم إنّ النظرة إليه ما زالت نظرة تَرَفِيّة، تقصد إلى الغضّ من شأنه، والتقليل من أثره؟
شعر المقاومة ما زال باقيا، وشعراؤه ما زالوا أحياء.. وهو يبسط كلماته على الأفق وفي وجدان الناس غير مختصٍّ بزمن، ولا متعلّق بجغرافيا.

أيمن العتوم

صدر لي خمسة دواوين وسبعَ عشرة رواية

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...