هل يجوز أكل لحم القطط والكلاب؟!

بواسطة | يناير 29, 2024

بواسطة | يناير 29, 2024

هل يجوز أكل لحم القطط والكلاب؟!

تناول هذا المقال الصادم واقع الجوع في غزة، حيث يرصد تأثير الحرب على الأمور اليومية ويطرح تساؤلات حول كيفية البقاء على قيد الحياة في ظل النقص الحاد في الموارد.

جوع غزة: صرخة من قلب الكارثة وبحث عن اللقمة المفقودة

كانوا أرحمَ الناس بها حين كان في الحياة سعة، فلما سقط أوّل صاروخ على الأحياء في هذه الحرب المجنونة، كانوا ينقذون القطط والكلاب كما ينقذون البشر، ففي كل كبدٍ رطبةٍ أجر.

في أول الحرب شاهدتُ طبيبًا قام بتنظيف قطة مرعوبة من الانفجارات، مسح على جراحها كما يمسح على جراح الذين حُمِلوا إلى هنا في سيارات الإسعاف، ودماؤهم تنزف من كل شبر من أجسادهم، غسل الغبار والأتربة عن جسدها الليّن، وأزال الغشاوة عن عينيها، ونشّف شعرها من البَلل، ثم احتضنها من بعدُ فَقرَّتْ، ولما سمع أنّات الجرحى من البشر خلفه، انتبه إلى نداء الواجب المتأصّل فيه، فرفعها عاليًا في أبهاء المستشفى يبحث عمّن يؤويها، ويقوم برعايتها، ونادى: من لهذه القطة المسكينة؟ ثم تابع عمله الإنساني في علاج المذبوحين والمعذَّبين.

واليوم؟ مضى على الحرب أكثر من مئة وعشرة أيام، وأكلت الحرب من لحوم الناس ما أكلت، ونهشت من أرواحهم ما نهشت، ولم تُبقِ لحمًا على وضم، ولا دمًا في شِريان، وجاع الناس، وشحّ الطعام شيئًا فشيئًا، وراح شبح الجوع يتراءى للناس في الطرقات الموحِشة، وفي الدُّور المنكَّسة، وفي الخرائب المهدّمة، وتخرج لهم رائحة الموت من بين الردم والهدم، ويرونه – كأنما لم يعد طيفًا بل حقيقة – في المساءات الحزينة، وفي الصباحات الكئيبة، فما تشرق شمس على انفراجة، ولا يُخيّم ليل على وعد أو أمل.

وبدؤوا يبحثون عن لقمة في القُدور فإذا هي فارغة، ولربما ينجحون في إيقاد النار، ولكنْ ماذا يطبخون عليها وكل شيء مفقود، فإذا كانت تلك المرأة – التي كانت توقد النار على الماء والحجارة- قد نجحت زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إسكات أطفالها حتى يناموا، فإن الأمهات اليوم في غزّة لا يجدون على النار لا ماء ولا حجارة، ولا يجدون من النار نفسها إلا الرماد. فماذا يأكلون إذًا؟ يأكلون أنفسَهم، ولا يمدُّونها إلى غيرهم ممن خذلهم وظاهر عليهم؟! إنهم كما قال الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد:

قد يأكلون لِفرْط الجوع أنفسهم   لكنهم من قُدُور الغَيْر ما أكلوا!

لقد كان لهم في أَكْل أوراق الشجر مندوحة، لكن الشجر قُصف، وورقه احترق، وبحث الناس عن شيء يدخل هذا الجوف، فلم يجدوا إلا الجِيَف، وإنه لسؤال أمام شبح الموت يبدو مشروعًا، وينهض واقفًا على قدميه مهما حاولتَ الهرب منه، إنه سؤال يضعكَ في مواجهة الموت المحتَّم: هل آكل من القطط الميتة والكلاب النافقة أم أموت؟ والشرع يحرّم أكْل كل ذي ناب، والموت يراودهم عن أنفسهم، فماذا يفعلون؟!

إن القطط التي كان يمكن أن يأكلوا منها جاعت هي الأخرى، والكلابَ بحثتْ في كل ناحية عن شيء يُؤكل فلم تجد، فهرَّتْ، ثم لَفّتْ أذنابَها على رؤوسها واستسلمتْ للنهاية، فماتت من الجوع، فلما قضى عليها الله الموت جاء هؤلاء ليبحثوا في جِيَفها عمّا تبقّى من لحم أو مُزعة منه، فلم يجدوا، فأين يذهبون؟!

وإذا مزّق الجوعُ أرديةَ الجِلد فلم تبقَ إلا العِظام، وصار الموت من الجوع أقرب إليهم من شِراك نعالهم، في أرجُل لم تعد فيها نعال، وأجساد هزيلة لم تعد فيها أرجل، فإن سؤال الوجود الذابح سينهض من جديد أكثر من مرّة: أيها العلماء البعيدون عن مآسينا في رفاهكم: أَفْتونا؛ هل يجوز أن نمزّق ما بقي من أمعاء يابسة للقطط والكلاب فنمضغها، لعلها تصل حبل الحياة من أن ينقطع؟!

نعم، كانوا سيأكلون أوراق الشجر لو وجدوه، وكان لهم في ذلك أُسوة مثلما أكل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ذلك في شِعب أبي طالب، لكنها أمنيّة عزيزة، وغاية بعيدة، وأين هم في هذه الكارثة الماحقة منها؟!

أيها الجوع الذي زال عن أهل الشِّعب بنخوة سيّد عربي واحد، مزّقتْ عنهم لباس الجوع والخوف، وأعادت اللقمة إلى أفواههم، هل لكَ في ساداتنا من العرب اليوم مَن يمزق صحيفة الهوان، ويُبعِد شبح الموت عن أهل غزّة، في أبسط أبسط حقوقهم، كسرة خبز واحدة تسند هذه الروح من أن تتداعى؟!

1 تعليق

  1. Abdallah

    أعانهم الله 😢 وصبرهم ونصرهم.

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...