يا آل غزّة صبرا.. إن موعدكم الجنة

بواسطة | أكتوبر 16, 2023

بواسطة | أكتوبر 16, 2023

يا آل غزّة صبرا.. إن موعدكم الجنة

ستقولون صبَرْنا على سبعة حروب ولم يتحرك الدم في الشرايين العربية، ولم يطرف لكم جفن، ولم يهتزّ لكم شارب؛ ولقد شرب العدوّ من دمائنا حتى سَكِر، وشرب البحر من دمائنا حتى صار أحمر قانِيا، وشربت الأرض من دمائنا حتى نبتَ الدّحنون، ينزّ دما كلما طلع الصباح… فإلى متى سنصبر؟!
ستبصقون في وجوهنا، وتقولون: قد كان للدم حرمة فصار الدم ماء، وكان للعروبة ميثاق فصار الميثاق نُفاية، وكان للحقّ وعد فصار الوعد كذبا.. كان للأخوّة عهد، نُقِضَ العهد عند أول منعطف! نعم ستبصقون في وجوهنا، وَحُقَّ لكم ذلك، غير أن الأدهى أن بعضنا، سيمسح ذلك عن وجهه، وسيمضي في الحياة كأن شيئا لم يكن!!
ستقولون: أكان قدَرا أن نُذبَّح من الوريد إلى الوريد، وأَن تُهدَّم البيوت على رؤوسنا فنُدفَن تحتها أحياء؟ وأن يكتشف الأب في الطريق أن هذا الشهيد المُمدَّد على الرصيف المُعفَّر وجهه بالتراب، الذي لا يزال دمه يُغطّي بقاياه، وينزّ من كل عضو فيه، هو ابنه أو أخوه؟! أكان قدرا ألا نعرف وجوه شهدائنا إلا برائحة المسك التي تعبق خارجةً مع أرواحهم، أمّا أجسادهم فإنها توزعت أشلاء مبعثرة على دروب غزة الذبيحة، حتى لم يعد لأقرب الناس إليه أن يجمع هذه الأشلاء ليُكوّن منها جسدا واحدا مكتمِلا؟! أكان هذا قدرنا أم إنّه لم يكن ليكون كذلك لو أنكم حميتم ظهورنا ورحمتم بؤسنا؟ إن الطعنة التي تكون في الصدر أخفّ ألما بكثير -ولو كانت قاتلة- من الطعنة التي تكون في الظهر، ونحن طُعِنّا في الظهر بِحِراب كثيرة لم نعد نملك ترفا لِنَعُدَّها!
ستقولون: لم نكن نطلب كثيرا، كنا نريد كرامة.. نريد كسرة خبز تقي الأجساد المنهَكة المُجوَّعة، ونُغبةَ ماء تردّ عطش الأفواه المُشقّقة، كنا نريد كفَنًا يليق بشهدائنا، أرضا لم تحرثها الصواريخ ولم تحرقها القذائف من أجل أنْ ترتاح فيها جُسُوم مَن قضى نحبه منّا.. اقتلونا نحن الكبار، لا تفجعونا بصغارنا، بفلذات أكبادنا، فإنه لا معنى للحياة بعد فقدانهم، أرأيتَ عصفورا يطير إذا قُصَّ جناحاه؟!
لم نكن نطلب كثيرا؛ هل كُنّا نطلب أنْ تقاتلوا إلى جانبنا؟ كلا، ذلك ربما كان أكثر مما نتمنى؛ ذلك أننا نعرف أن الميدان له أهله، والرصاص له ذاخروه، فرضينا أن تكونوا جدارنا فلم تكونوا، فقبلْنا أنْ تُسكِتوا أبواقكم عن أنْ تَصُمّوا آذانَنا بهُرائِكم فلم تفعلوا… بل كنتم البارود في مدافع أعدائنا والدموع في عيون تماسيحنا، وقصفتمونا بأشدّ مِمّا قَصَفَنا به أعداؤنا الظاهرون!
كنا نريد حياة كأي حياة ولكنكم أردتم لنا الموت، كنا نريد هواء ولكنكم خنقتمونا بأعفرة التراب.. كنا نريد للمعابر المغلقة أن تفتح، وللزُّقاقات الخانقة أنْ تُوَسَّع، ولكنكم حاصرتمونا في العلب الضيقة، وحشرتمونا كأننا دوابّ في زرائب.
نعرف ذلك كلّه يا أهل غزّة، وننحني أمامكم خجلا من عوراتنا المكشوفة، ولكنّنا -مع كل هذا الأسى الطامي الذي يُدمي قلوب الحجارة- نَعُدُّكم الطائفة التي أخبر بها نبينا، فكأنه اصطفاكم من بين الطوائف كلها، واختاركم من بين الناس أكثرهم، حين قال: “لا تزال طائفة من أُمتي على الدّين ظاهرين، لِعدُوِّهم قاهرين، لا يَضُرُّهم مَنْ خالَفَهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”.
وأشهد أنه خالفكم كثير من بني جلدتنا، وتخلّى عنكم كثيرون كذلك، وأشهد أن اللأواء والبأساء التي أصابتكم هي الأشدّ والأنكى، ولكنّكم البِشارة ولا بد من ثمن، وإن سلعة الله غالية، وإن الدم يقود إلى الدم، وهذا ثأركم من الصهاينة، ستأخذون به مهما طال الزمن، وستنتصرون لدينكم ولأنفسكم ولأمتكم بإذن الله.
وأما أنتم يا أطفال غزّة، ويا ورودها التي لم تتفتح بعدُ، ويا أزهارها التي تعبق بالشذى في دخان الأمكنة، ستنتصر الوردة على السكين عن قريب:
يـا تـلامـيـذ غَــزَّةَ عَـلّـِمـونـا .. بَعْضَ ما عندكم فنحـن نَسينا
عـلّـِمونا بـأنْ نـكـون رجـالا .. فَلَدَيْنا الرجال صاروا عجينا
والسلام على غَزّة، على كل مَن فيها وما فيها، حتى يطمئنّ قلبُها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...