حمود صاهود.. وجماهيرية الشعر العربي

بقلم: علي المسعودي

| 7 يوليو, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: علي المسعودي

| 7 يوليو, 2024

حمود صاهود.. وجماهيرية الشعر العربي

بين يوم وآخر يصلني عبر الرسائل مقطع لحمود صاهود، أو أقع عليه أثناء التصفح، من ضمن مقاطع كثيرة لهذا الشاب الذي انتشر له القبول بين الناس.

كل ما قدّمه حمود أنه أحبّ الشعر وبحث فيه، ثم حفظه واستخرج الجواهر من معانيه، ثم بدأ يبثه بين الناس بحضورٍ رصين وطريقة لطيفة، جعلت من الشعر مادة محبّبة تقتحم عالم الجماهيرية، رغماً عن توجّهات صنّاع الإعلام ومالكي أدوات التواصل، الذين فرضوا على الناس رجالاً ونساءً موجة (الفاشن)، بترويج يمهر به صانعو التقنية، فتحوّل التافهون إلى نمور من ورق، مادتهم المال والشهوة، والمظاهر والمشاكل والإشاعات، والعلاقات المنحرفة وغسيل الأموال، وقضايا المحاكم وتمثيليات الزواج والطلاق، والهدايا الغالية واليخوت الفاخرة..

ويأتي حمود صاهود ليثبت أن مكانة الشعر في النفوس باقية.. تؤكد ما أشار إليه ابن خلدون: “واعلم أن فن الشعر من بين الكلام كان شريفاً عند العرب، ولذلك جعلوه ديوان علومهم وأخبارهم، وشاهد صوابهم وخطئهم، وأصلاً يرجعون إليه في الكثير من علومهم”. وقيل: “لا يترك العرب الشعر حتى تترك الإبلُ الحنين”.

فالشعر عند العرب طبيعة ثابتة، ونسيج متجانس، وعلاقة فطريّة ملتحمة بالنفس وهواها، يتجاوز كونه شكلاً من أشكال التعبير الإبداعي إلى اعتباره مظهرا من مظاهر الهوية اللغوية والثقافية والإنسانية بشكل عام.

وقد تأكدت شهرة صاهود وحضوره من خلال البودكاست.. هذه الموجة الإعلامية الممتعة، التي كسرت أغلال الاحتكار الحكومي من جهة، وهيمنة التجار من جهة أخرى، ليخرج متحرراً من شروط وضغوطات وتوجيهات أهل السياسية، وتوجّهات المؤدلجين ممن يسعون لجعل مادة الحياة قائمة فقط على الترفيه المحض، المفرّغ من أي فائدة أو منفعة أو قيمة.. ترفيه من أجل الترفيه، وقفز مختلط ومجنون على خشبات المسارح، ينزع الإنسان من إنسانيته وحيائه وحشمته ووقاره، ليمسخه بهيمة لا تراعي ذوقاً في لباس، أو قيمة في تصرف، أو حياء في منظر.

ومن أهم المرتكزات التي ظهر فيها صاهود حفظُه للشعر العربي بعموده الصلب، وعصوره الزاهية الزاكية، كأنما هو دخول المدجج بهويّته وأصالته في ظل الصراع الشعوبي – الظاهر أحياناً والمتستّر أحياناً أخرى- بين العرب وخصومهم ممن تغلغلوا لهدم التراث العربي، والتقليل من قيمته، والاستهزاء بقيمه، واعتباره تراثاً بالياً لانفع منه، ليأتي هذا النموذج الصاهودي  المخلص المتمسك بلغة القرآن، مؤكداً أن للشعر العربي في عصوره الأولى الزاهية مكانته في النفوس، وقيمته لدى العلماء والأدباء، ما جعله يحتفظ بعموده وأساليبه ومعانيه..

وبانتظار نماذج ثقافية أخرى تكمل هذا المشروع المبشّر..

علي-المسعودي

كاتب له مؤلفات في الشعر والنقد والقصة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...