بأية حال.. يا عيد؟

بواسطة | يونيو 16, 2024

بواسطة | يونيو 16, 2024

بأية حال.. يا عيد؟

لا أدري ما السبب الذي جعل الشاعر العربي يتحول بفرحة العيد إلى منطقة الحزن والألم، ليجعله يوم حسرة.. وغربة!

مثلا.. هذا حال ابن زيدون في يوم العيد:

إن كان عَـادَكم عـيـد فَـرُبَّ فـتـىً   بالشوق قد عَادَهُ من ذِكْركم حَزَن

وفي الشعر الشعبي يهجس رفعان العرجاني:

علّقت ثوب العيد الأول، وعلّقت    بقـيّـة أحلامي على ثاني الـعـيـد

‏وقلب الشاعرة “عابرة سبيل” في ليلة العيد يقطر حزنا.. وهي تخاطب الغائب الذي يشحّ في الإجابة:

وين انت ياللي عيدنا في محياك

كف القدر من ضيقة الخلق بسته

من يوم ما لوحت لي كف يمناك

لليوم دمعي بالخفا ماحبسته

ومن يوم ماذوقتني حر فرقاك

والياس زرعه في حياتي غرسته

أما المتنبي، فيضع العيد على طاولة السؤال، ويمد استفهامه عبر الزمن.. ليجعل الأيام ترتبك وهي تتحضر للإجابة:

عـيـدٌ بأيـة حالٍ عـدت يا عـيـد   بما مضى أم بأمرٍ فيكَ تجديد؟

وأنت لا تدري، أكان أبو الطيب يحاكم العيد على ما مضى ولا يريده أن يعود به، أم يهز كتف ذلك اليوم مهدداً، كي لا يغيّر ما أثّثه في حياته!

وفي عيد الفطر الذي مضى، قال لي الصديق الشاعر محمد ياسين صالح:

أظـلـنـا العـيد والأعـياد تجـديد    وكـل أمـر إلـى مـولاه مـردود

العيد ضيـف حقـيقٌ أن نكرمه    والجود عادةُ مَن عاداته الجود

لا لن نقول له والنفس موجعةٌ    عـيـدٌ بـأية حال عدت يا عـيـدُ

فقلت له:

أبــلـغ أمـيّـــة أقــصــاها وأدنـاهــا:   للعيد نصر بنصـر الـقـدس معـقـود

نحن السحاب على من جاء مجلسنا   وللــعــدو   مشــائـيــم   مــنــاكـيـد

والخيل تعرف يوم الخطب صولتنا   لـذا يـقـال: عـظـيم الـقـدر مـوجـود

لكنه يحرف وجهة الحديث إلى وعد ربما نسيته، وربما تناسيته.. يخص حسابه البنكي تحديدا، فيقول:

ما لي أراك تناسى ما وعدت به   عند الأجاويد لا تُنسى المواعيد

فأجيبه:

حيّـاك ربي وخـذهـا مـن (طنا راسي)   إن جاء ذكر الندى.. جاء “المساعيد”!

ورغم أن المتنبي ليس من (الطنايا)، فإنه يملك الكثير من صفاتهم.. خاصة وهو يجعل (راسك يشوش) في مدحه! ولو ألبسه وسقاه سيف الدولة الذهب، ما وفاه حق هذا البيت:

هنيئًا لكَ الـعـيـد الـذي أَنـت عـيـده   وعـيـدٌ لِمن سمّـى وضَـحّـى وعَيَّدا

فَذا اليوم في الأيام مثلكَ في الورى   كما كنـتَ فـيـهم أَوحَـدًا كان أَوحَـدا

ويحسن بنا أن نختم بأبيات مبارك الخليفة، التي تحتاج من النشامى أن يردّوا عليه ردّاً قاسياً.. حين يقول:

الـعـيـد لا مـنّـك لـقـيـت الـمزايين

ماهوب لا مـنّـك لـقـيـت النشامى

الطـيـبـيـن الـنادريـن الـعـزيزيـن

غالـيـن واسبـاب الـمحـبّـة تنـامى

بس القلوب الخضر تحتاج للزين

حـاجة بـزاريـن صـغـار ويتامى

وكل عام وأنتم بخير

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...