هل يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي الصمود أمام حرب واسعة مع حزب الله؟

بقلم: مدونة العرب

| 29 سبتمبر, 2024

بقلم: مدونة العرب

| 29 سبتمبر, 2024

هل يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي الصمود أمام حرب واسعة مع حزب الله؟

كان من المتوقع أن يتجه الاقتصاد الإسرائيلي نحو التعافي، فقد عاد كثير من العمال البالغ عددهم 300 ألف عامل إلى مكاتبهم ومصانعهم ومزارعهم بعد أن تركوا وظائفهم للقتال. ولكن بدلًا من ذلك أصبح الوضع الاقتصادي أكثر صعوبة، فحسب وكالة بلومبيرغ للأنباء، بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 0.7% فقط بين أبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران، على أساس سنوي، أي أقل بنحو 5.2 نقطة مئوية عن توقعات خبراء الاقتصاد.

وفي السادس عشر من سبتمبر/ أيلول، اضطر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إلى طلب موافقة النواب على زيادة العجز في حالات الطوارئ، وكانت هذه هي المرة الثانية التي يقدم فيها مثل هذا الطلب هذا العام.

إن إسراف السيد سموتريتش يقلق المستثمرين، بالإضافة إلى احتمالية اندلاع حرب أوسع، فقد شنت إسرائيل غارات على الحدود اللبنانية في 23 سبتمبر/ أيلول أدت إلى مقتل 558 شخصًا إضافة إلى قتل 39 شخصًا نتيجة تفجير أجهزة الاتصالات لأعضاء حزب الله، فضلًا عن أشهر الهجمات الصاروخية التي شنتها الميليشيا اللبنانية على المستوطنات الإسرائيلية، وقد بدأت الأموال في الهروب من البلاد. وبين شهري مايو/ أيار ويوليو/ تموز تضاعفت التدفقات الخارجة من البنوك الإسرائيلية إلى المؤسسات الأجنبية، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، إلى 2 مليار دولار، ويشعر صناع السياسات الاقتصادية في البلاد بقلق أكبر مما كانوا عليه منذ بداية الحرب.

يرتكز أي اقتصاد في زمن الحرب على حافة الهاوية، إذ يتعين على الحكومة أن تمول قواتها المسلحة، غالبًا من خلال الإنفاق بالعجز، مع ضمان بقائها قوية بما يكفي لسداد ديونها بعد انتهاء الحرب. والسيناريو المرعب بالنسبة لإسرائيل هو أن ينتشر الصراع إلى القدس وتل أبيب، المركزين التجاريين للبلاد، لكن حتى مع حرب أقل حدة واقتصار القتال على شمالي البلاد، فإن ذلك قد يكون كافيا لدفع اقتصادها إلى حافة الهاوية.

إنفاق حكومة إسرائيل بسخاء سيساهم في تعقيد الوضع أكثر؛ ففي شهر مارس/ آذار، عندما كانت القوات المسلحة تأمل في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بحلول شهر يوليو/ تموز، قدر الجنرالات أنهم سوف يحتاجون إلى 60 مليار شيكل (16 مليار دولار أمريكي، أو 3% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي)، بالإضافة إلى ميزانيتهم العادية، ثم زيادة دائمة قدرها 30 مليار شيكل سنويًّا للتعامل مع الوضع الأمني الجديد. ومنذ ذلك الحين، ومع استمرار القتال، استمرت توقعات العجز في الارتفاع، ومن المتوقع الآن أن يصل العجز إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهو ما يقرب من ثلاثة أمثال ما كان متوقعًا قبل الحرب. ومع انتشار الأعمال العدائية على نطاق أوسع، فمن المرجح أن يزداد العجز أكثر.

ماذا يعني هذا بالنسبة لصناع القرار السياسي في إسرائيل؟ 

في يناير/ كانون الثاني بلغت ديون البلاد 62% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يقل كثيرًا عن المتوسط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم في معظمها بلدانًا غنية. وعلى هذا فإن سموتريتش يتمتع بقدر ضئيل من المساحة للحركة، فإذا استمر القتال في العام المقبل فإن الوضع المالي سوف يتدهور، ويريد حاملو السندات أن يطمئنوا إلى وجود مساحة متبقية لمزيدٍ من الإنفاق على الحرب، لذا فإن سقف الديون المقبولة أقل من السقف في البلدان المماثلة، كما أن وكالات التصنيف تشعر بالقلق، وتقول كل من وكالتي فيتش وموديز إنهما ربما تخفضان تصنيف إسرائيل مرة أخرى بعد تخفيض سابق هذا العام.

إن السيد سموتريتش- وهو مستوطن في الضفة الغربية، ينتمي حزبه إلى اليمين المتطرف- يزيد المشكلة سوءًا، فلا أحد يتوقع أنه سيطلب من الجيش خفض التكاليف، كما أن اتخاذ تدابير أخرى لكبح العجز يكون إما بخفض الإنفاق في أماكن أخرى أو زيادة الضرائب. وقد وعد سموتريتش بتوفير 35 مليار دولار في العام المقبل، لكنه لم يذكر من أين سيأتي هذا المبلغ.

 نمو اقتصادي قوي من شأنه أن يخفف الألم

رغم عودة جنود الاحتياط إلى العمل، وعودة الاستهلاك إلى مستويات ما قبل الحرب، فإن اقتصاد إسرائيل يظل أضعف مما كان عليه عشية الحرب. وتعاني سوق العمل من ضغوط شديدة، حيث لا يتجاوز معدل البطالة 2.7%. وتكافح الشركات لملء الوظائف الشاغرة، وتعاني الشركات الصغيرة العاملة في مجال التكنولوجيا العالية في إسرائيل من ضغوط شديدة، وتحذر مؤسسة ستارت أب نيشن البحثية من أن هذه الشركات تخسر التمويل بسبب الحرب.

لقد تم منع نحو 80 ألف عامل فلسطيني من تصاريح العمل بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ولم يتم استبدالهم لحد الآن، ونتيجة لهذا، أصبحت صناعة البناء أقل بنسبة 40% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، الأمر الذي أعاق إلى حدّ كبير بناء المساكن وإصلاحها. وفي الوقت الحالي، كان التأثير الأكبر على التضخم، الذي بلغ معدله السنوي 3.6% في أغسطس/ آب، بعد أن تسارع خلال الصيف، وإذا تزايد نطاق هجمات حزب الله، فإن نقص عمال البناء سوف يصبح مشكلة أكبر.

 كذلك تغيب ثقة المستثمرين بقدرة إسرائيل على التعافي، فالشيكل متقلب، والبنوك الإسرائيلية تعاني من هروب رؤوس الأموال، والبنوك الثلاثة الكبرى تعلن عن زيادة كبيرة في عدد العملاء الذين يطلبون تحويل مدخراتهم إلى بلدان أخرى أو ربطها بالدولار، ورغم أن التضخم لا يزال أعلى من المستهدف، فقد اختار البنك المركزي التمسك بسعر الفائدة السابق ذاته في اجتماع السياسة النقدية في أغسطس/ آب، خوفًا من عرقلة التعافي.

وهناك السيناريو المخيف، أن المستثمرين لم يستعدوا لحرب قد تبتلع إسرائيل بأكملها، بما في ذلك القدس أو تل أبيب، على الرغم من أن حزب الله قد يكون قادرًا على شن مثل هذه الحرب. وفي ظل هذا السيناريو، سوف يتضرر النمو الاقتصادي بشدة، وربما أكثر من الضربة التي تلقاها بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وسوف ترتفع نفقات الجيش بشكل كبير، وربما يؤدي فرار المستثمرين إلى انهيار البنوك وهبوط قيمة الشيكل، الأمر الذي يضطر بنك إسرائيل إلى التدخل وإنفاق احتياطياته.

وفي جميع الأحوال، فإن خبراء الاقتصاد الإسرائيليين مستسلمون لواقع أن الأمور تتجه نحو الأسوأ، وحتى سموتريتش، الذي يتسم عادة بالتفاؤل، بدأ الآن يشعر بالإرهاق والإنهاك، إذ قال: “نحن في أطول وأغلى حرب في تاريخ إسرائيل. لقد انتهت الصراعات السابقة بكارثة اقتصادية في إسرائيل، ولا ينبغي لنا أن نتفاجأ إذا حدث الشيء ذاته في هذه الحرب”.

المصدر: إيكونوميست | مقال للصحيفة
تاريخ النشر: 24/09/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

خرافة اسمها الحب!

خرافة اسمها الحب!

من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.. البعض قسمها إلى مشاعر إيجابية: كالحب، والسعادة، والرضا؛ وأخرى سلبية: مثل الغضب، والاشمئزاز، والخوف. غير أن علم النفس ذهب ليؤكد أن كل المشاعر لها جانبان، واحد سلبي وآخر إيجابي؛ فالغضب -مثلاً- يعد أحد أسوأ المشاعر الإنسانية...

قراءة المزيد
الشكر.. دوامٌ للنعم في الدنيا وفوزٌ  في الآخرة

الشكر.. دوامٌ للنعم في الدنيا وفوزٌ  في الآخرة

أنعم الله تعالى وتفضّل على عباده بالكثير من النعم والأفضال؛ فمنها ما هو متعلق بالدين، ومنها ما هو متعلق بالدنيا.. وقال العلماء إن أعظم نعم الله -عز وجل- على الإنسان هي نعمة الهداية إلى الإسلام، وهو دين الله الذي اختاره وارتضاه للخلق في رسالة الرسول محمد ﷺ. ومن نعم...

قراءة المزيد
الترامبية المتجددة وأمْوَلَة نظام الحكم في الولايات المتحدة

الترامبية المتجددة وأمْوَلَة نظام الحكم في الولايات المتحدة

منذ أن بلور حكماء الإغريق قديما فكرةَ الديمقراطية قبل ستة وعشرين قرنا، وعزّزها فلاسفة التنوير بضوابط الحداثة السياسية في القرن الثامن عشر، ظلّت الحِكامة السياسية تتحرك داخل مثلث محتدم، يجمع بين الفضيلة السياسية وبقية أخواتها من الأخلاقيات والأهلية المعرفية من ناحية،...

قراءة المزيد
Loading...