كذلك ينبغي..!!

بقلم: علي المسعودي

| 22 أكتوبر, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: علي المسعودي

| 22 أكتوبر, 2024

كذلك ينبغي..!!

بينا عبدالله  عباس رضي الله عنه فِي المسجد الحرام، وعنده مؤسس فرقة الأزارقة الخارجية نافع بن الأزرق وناس من الخوارج يسائلونه، إذ أقبل الشاعر القرشي عمر بن أبي ربيعة. حتى سلم وجلس، فأقبل عليه ابن عباس، فقال: أنشدنا ، فأنشده

أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر كُ

غداة غد أو رائح فمهجر 

حتى أتى على آخرها ، فأقبل عليه ابن الأزرق، وقال: اللَّه يا ابن عباس، إنا لنضرب إليك أكباد المطي من أقاصي الأرض لنسألك عن الحلال والحرام، فتثاقل علينا، ويأتيك مترف من مترفي قريش فينشدك:

رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت 

فيخزى وأما بالعشي فينخصر

فقال ابن عباس : ليس هكذا قَالَ ، قَالَ : فكيف قَالَ ؟ قَالَ

رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت

فيضحى وأما بالعشي فيخصر

 قال: ما أراك إلا قد حفظت البيت، قال : نعم، وإن شئت أنشدك القصيدة أنشدتكها، قال: فإني أشاء، فأنشده القصيدة حتى جاء على آخرها.

ثم أقبل  ابن عباس   على  عمر بن أبي ربيعة ، وقال له: أنشد.

 فأنشد

(تشطّ غداً دارُ جيراننا)  وسكت ليتذكّر بقية البيت

فقال ابْن عباس : (وللدار بعد غدٍ أبعدُ)

فقال ابن ربيعة : كذلك قلت أصلحك اللَّه أسمعته؟ قال: لا، ولكن (كذلك ينبغي)!!

 ..

(كذلك ينبغي) مرتكز من مرتكزات الناقد.. حين يعرف كيف يتتبّع بإحساسه وقع خطوات القصيدة.. المكان الآمن الذي يجب أن يسوق الشاعر إليه الكلمات.

يعرف الناقد ذو الإحساس المرهف أين تضع القصيدة قدمها في الخطوة التالية، ويعي ماتعانيه من ترهّلات منذ اللحظة الأولى التي تهبّ بها نسائمها.

يعرف أن هذه الكلمة خالفت خفقات قلب العاشق،  ويعرف أن هذه الصورة أخفقت في تلمّس خطوات الإحساس، وفي تلك أوشك الشاعر أن يمسّ خط الإبداع لكنه وقع قبل نقطة النهاية.

هو ناقد درّب نفسه على رهافة الحس.. وكل صنعة تحتاج إلى مِران ومرونة.. 

يضع صاحب كراج تصليح السيارات أذنه على غطاء المحرّك وما إن يسمع خشخشة ماكينة العربة حتى يكتشف العلة،

هكذا من أول طرقة أذن!

ويضغط الطبيب بطن المريض.. فيكشف المرض ويصف العلاج.. من دون تحاليل أو أشعة زرقاء أو حمراء .

وهكذا يفعل الناقد

يقرأ .. فيعرف ملمس القصيدة، وخيوطها.. وإن كان الشاعر قد صنع مادته من حرير أم من قش!

ويعرف أين يجب ان يضع المعنى قدمه في الخطوة التالية، ويعرف كذلك الخطوة التي تنقض مسيرة القصيدة فيرغمها على التراجع إلى الوراء.. 

فهناك منصات مضادة لهجمات الشعر ينصبها ذوو الألباب..

قال الأخطل لجرير: أنا الذي شتمت عرضك، وأسهرت ليلك، وآذيت قومك!

فرد عليه جرير: أما قولك: (شتمت عرضك) فما ضرّ البحر أن يشتمه من غرق فيه، وأما قولك: (وأسهرت ليلك) فلو تركتني أنام لكان خيراً لك، وأما قولك: ( وآذيت قومك) فكيف تؤذي قوماً أنت تؤدّي الجزية إليهم؟!

وهكذا عندما تعرف قوّة السهم ووقت انطلاقه .. ستعرف الدرع الذي تتحصّن فيه منه..

.. (وللحديث بقيَة)..

علي-المسعودي

كاتب له مؤلفات في الشعر والنقد والقصة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...