مهمة الإنسان في الحياة
بقلم: د. كمال أصلان
| 4 يوليو, 2024
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: د. كمال أصلان
| 4 يوليو, 2024
مهمة الإنسان في الحياة
خلق الله الخلق لمهمة سامية، وهي عبادته وعدم الإشراك به، مؤكدًا ذلك في قوله تعالى: {وما خلقت الجنّ والإنس إلّا ليعبدون} [الذاريات: 56]، والعبادة هنا بمفهومها الواسع، وليست – كما يظن البعض- محصورة في الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج فقط، بل تشمل كل مناحي الحياة، كما عرّفها ابن تيمية: “العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة”.
إذن، الغاية التي خُلق من أجلها الإنسان غاية نبيلة، ولهدف عظيم، كما قال الشاعر:
لقد خلقت لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
بمعنى أن كل حركة وفعل وقول يصدر من الإنسان هو عبادة، بشرط أن يكون المقصد هو إرضاء الله عز وجل، كما ورد في الحديث الشريف “إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكلّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه”؛ وهذا يتطلب من الإنسان أن تكون حياته كلها لله، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
ولهذا فُضّل الإنسان على سائر المخلوقات بهذه المهمة الكبيرة، ولكن الإنسان في غالب الأحيان غابت عنه طبيعة هذه المهمة، فانصرف إلى ما دون ذلك بغواية الشيطان، ولم يقم بالمهمة المنوطة به على خير وجه، وترك شرف العبودية الحقّة، وأبدلها بصفة البهيمية التي تسعى لأجل ملء بطنه فقط.
والإنسان السويّ هو الذي يسعى لنيل شرف تحقيق مراد الله من هذا الخلق، فتكون له غاية أساسية في حياته لإرضاء الله، والسعي للتعمير لا التخريب، وهذه الغاية لها متطلبات لا بد أن يفي بها كل إنسان يريد أن يسلك هذا الطريق، وينال شرف السير فيه. ولتسهيل هذا الاستخلاف سخر الله له ما في السماوات، وما في الأرض {وسخّر لكم ما في السّماوات وما في الأرض جميعًا مّنه} [الجاثية:13]؛ ليكون في خدمته انتفاعًا، واعتبارًا، واختبارًا، وليكون عونًا له في خلافة الأرض، وعمارتها بأمر الله تعالى، وعلى مراده، والإصلاح فيها، ونشر الخير، والعدل، والأمن، والطمأنينة.
ومن أهم الوسائل المعينة على ذلك أن ينظر الإنسان في سيرة من سبقوه، ونالوا هذا الشرف، وضحوا من أجله، وبذلوا من أنفسهم، وأوقاتهم لتحقيقه، وترفعوا عن السفاسف، وسعوا إلى المعالي بكل الوسائل المتاحة، ولم يهتموا بمن انحرف أو حاد عن الطريق.
ومدخل السعادة للإنسان أن يحقق أهدافه، ويعرف مهمته الحقيقية، أما الذي يعيش من أجل أن يقتات ويأكل فقط، فهذا منقوص الأهلية، ولم يفهم طبيعة المهمة التي خلقه الله من أجلها.
ومن يتأمل حال الناس في أيامنا هذه يجد أن كثيرا منهم – إلا من رحم- لا هدف لهم في الحياة إلا أن يستمتعوا بملذاتها من الطعام والشراب، وصرف الأوقات في غير فائدة، ونسوا مهمتهم الأساسية وهي التعمير في الأرض، ونفع الناس.
ولذلك ورد أنّ رجلًا جاء إلى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ فقال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله، عز وجل، سرور تدخله على مسلم؛ تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد (يعني مسجد المدينة) شهرًا، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبّت الله قدميه يوم تزول الأقدام”.
وأحوال المسلمين اليوم تحتاج منّا جميعًا أن نسعى بكل الإمكانيات، والوسائل المتاحة لتضميد الجراح، والنصرة بالقول والفعل، لأن التحديات كبيرة، والمؤامرات التي تحاك كثيرة، وكل فرد يمكن أن يضع اللبنة الحسنة، والفعل المؤثر الذي يفيد الآخرين، ويجب ألّا يستقلّ الإنسان أي فعل يقوم به، طالما أن هذا هو ما يستطيعه.
أمّا أن ينصرف كل منّا إلى ذاته فقط، ولا يهتم بأمور المسلمين، فتلك مصيبة، ولذا ورد في الأثر أنه “من أصبح وهمّه الدنيا، فليس من الله في شيءٍ، ومن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أعطى الذلّة من نفسه طائعًا غير مكرهٍ، فليس منا”.
وعلى ذلك يكون من النبل والشرف الاهتمام بأمر أهلنا في غزة بشكل خاص، وفلسطين بشكل عام، ونصرتهم ودعمهم بالمال والدعاء، ونشر قضيتهم العادلة، في مواجهة جبروت الصهاينة المدعومين من الغرب بكل أشكاله، لأن النصرة من حقوق الأخوة، كما ورد في الحديث: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته”.
أستاذ الأخلاق والفكر الإسلامي
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
جميل جدا
شكرا جزيلا للدكتور جمال على هذه المقاله القيمه واسال الله ان يوفقنا لخدمة الناس وترك الاثر الطيب في نفوس الاخريين