شمال غزّة يموت جوعا!

بقلم: أدهم شرقاوي

| 22 يونيو, 2024

بقلم: أدهم شرقاوي

| 22 يونيو, 2024

شمال غزّة يموت جوعا!

المشهد الأول: نخوة العرب في الجاهلية

بعد أن وقّعت قريش وثيقة المقاطعة الظالمة لبني هاشم، وعلقتها في الكعبة لتعطيها شيئا من القداسة، جاء هشام بن عمرو، وزهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأبو البختري بن هشام، لتمزيق هذه الصحيفة رغم أنهم كانوا جميعا على الشرك، ولكن كان فيهم نخوة تجلّت في كلام زهير بن أبي أمية حين خاطب قريشًا عند الكعبة، وفيهم أبو جهل: يا أهل مكة، أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباع ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تُشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة!

المشهد الثاني: الجوار في الإسلام

روى الطبراني في الكبير من حديث أنس بن مالك، والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس، باختلاف يسير، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم”! (صحّحه الذهبي في التلخيص، والألباني في صحيح الأدب المفرد)، والمقصود نفي كمال الإيمان عن الراضي بجوع جاره وهو يعلم به، وليس نفي أصل الإيمان!

المشهد الثالث: في عهد الخلافة الراشدة:

روى الإمام البيهقي في السنن الكبرى عن الحسن رحمه الله: أن رجلا أتى أهل ماء فاستسقاهم، فلم يسقوه حتى مات، فأغرمهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه دِيَته!

وبه عمل الفقهاء، وأغرموا الجيران من أهل الحي دِيَة الميت جوعاً!

***

ها هي غزة تموت الآن جوعا أمام أعيننا، نحن لم نخذلهم فقط، الخذلان هو أن لا نشترك معهم في قتال عدوهم الذي هو عدونا، أو على الأقل أن نمتنع عن مدّهم بالسلاح ليقاتلوا هم نيابة عنا، أما أن يموتوا جوعا أمامنا، فهذا لا يسمى الخذلان، وإنما العار!

لا أحب جلد الذات، ولا جلد الناس، ولكني لست مهرّجا لأضحككم في زمن المآتم، وأعوذ بالله أن أرى الجرح فأقفز عنه، وأعيذكم بالله أن تغضبوا ممن جاءكم بالحقيقة ولو كانت مرة، إن أكبر جزء من المشكلة هو أن تمر أمامنا ولا نراها مشكلة!

خذ عندك المشاهد الثلاثة التي جئتك بها، وقسها عليَّ وعليك، علينا جميعا أفرادا وحكومات وأخبرني أين نحن منها!

نحن مع أهل غزة لم ندرك نخوة العرب في الجاهلية، فها هم نفر من قومنا يموتون جوعا أمام أعيننا، ونحن نعيش، حتى أن بعضنا ما زال يفكر أيقاطع أم لا، شربنا دماء إخواننا في علب الببسي، ولُكنا لحومهم في وجبات الكنتاكي!

ولا نحن راعينا فيهم هدي النبوة، ولا حتى لأجل أنفسنا في أن يتحقق فينا كمال الإيمان، رضينا بأصله فقط، وها هم يموتون جوعا ونحن نعلم! نرى هذا أمام أعيننا، فلا عذر لأحدنا أمام الله إلا بعد أن ينقطع منه الصوت، وتجف منه الدموع، والأهم قبل الصراخ والبكاء أن يفعل ما استطاع!

كل طفل مات في غزة جوعا ديته عليّ وعليك، أما كان يكفينا من العار أن نطعمهم لتحصدهم الطائرات وبطونهم ملأى، ولكننا لم نكتف، أسلمناهم إلى عدوهم – الذي هو عدونا- جوعى، فاللهم عاملنا برحمتك لا بعدلك، فإنك إن عاملتنا به أهلكتنا!

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

1 تعليق

  1. رحيق شهاب الدين

    لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حتى الماء والدواء والغذاء عجزوا عن إيصاله لإخوانهم! يا أُمَّةً عجبت من عجزها وذلِّها الأمم!

    اللهم إنا نبرأ إليك ممن ظلم وخذل غزة وأهلها…اللهم مَن قتلهم فاقتله، ومَن خذلهم فاخذله، ومَن جوَّعهم فجوِّعه، ومَن أظمأهم فأظمئه، ومَن كان قادراً عن رفع الظلم عنهم ولم يفعل فأذقه مِن نفس الكأس.

    كل سطر كتبته مؤلم مؤلم مؤلم جداً…اللهم عاملنا برحمتك لا بعدلك، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء والمخذلون والمنافقون والمطبعون والخونة والعملاء والجبناء والأذلاء…

    حسبنا الله ونعم الوكيل وكفى بالله وكيلاً وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً.

    جزاك الله خيراً أستاذي القدير وكتب أجرك ورفع شأنك في الدنيا والآخرة.

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

مع الهمجية ضد التمدن

مع الهمجية ضد التمدن

يراوح روسو نظرته النقدية الصارمة للتمدن مقابل التبسط، والفلاحة والريف مقابل التجارة والصناعة، وهكذا يُثني على قصة شعوب أوروبا البسيطة القديمة، بناء على مخالفتها للمدنية التي تحدث عنها في إميل، ولا بد من ربط رؤاه هنا، لوضع نموذج الشعب البسيط غير المثقف، في السياق...

قراءة المزيد
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون

الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون

بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ لا يُعرَف له لون لأنّ الطّين غَطّاه كُلَّه، وبجسدٍ عارٍ حال لونُه الطّبيعيّ إلى اللّون المُعفّر، وفي شارعٍ مُجَرّف جرى فيه صوتُ الرّصاص والقذائف فحوّله إلى خطٍّ ترابيّ تتوزّع عليها بقايا أبنيةٍ أو محلاّتٍ مُهدّمة، رفع...

قراءة المزيد
أطفال غزة يصافحون الموت

أطفال غزة يصافحون الموت

إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق أزمة إنسانية فحسب، بل أطلقت العنان أيضا لدوامة من البؤس الإنساني، الذي يدفع فاتورته بصورة يومية أطفال غزة الأموات مع وقف التنفيذ.. فإسرائيل في عملياتها العسكرية- جوية كانت أم برية- في قطاع غزة والضفة الغربية لا تستثني...

قراءة المزيد
Loading...