تناسخ الأرواح.. في الشعر!!

بقلم: علي المسعودي

| 28 يوليو, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: علي المسعودي

| 28 يوليو, 2024

تناسخ الأرواح.. في الشعر!!

والشاعر كذاب، فهو ينام ملء جفونه عن شواردها.. ثم يصحو صباحاً ليكتب أن عينه لم تذق طعم النوم، وكان الليل طويلاً يتقلب فيه على جمر الغضى!

والشاعر لص، فهو يخطف بخياله أجمل امرأة يراها تمشي في السوق.. ثم يجلس في مكتبه ليدبّج عنها قصيدة، باعتبارها حبيبته التي انقلب قلبها عليه، ولم تعد تعشقه كما سبق، بدليل أنها مرت من أمامه في السوق ولم تلتفت إليه!! ويتعاطف معه الجمهور ضد تلك الخائنة!!

وهو المليونير الذي يطمع بالقروش القليلة في يد الفقير.. فعندما يشاركه شاعر مبتدئ في أمسية فينال تصفيقاً جانبياً، يشعر الشاعر الكبير بالغيرة لأن التصفيق كله يجب أن ينصرف إليه..

هل هذا هو ما انتاب نزار قباني، وهو يقرأ قصيدة الشاعر الفرنسي الراحل جاك بريفير، التي تحمل عنوان “إفطار الصباح”؟

ربما أعاد قراءتها وعيناه تبرقان.. كلمات سهلة، وفكرة بسيطة تشبه طموحه الشعري الذي يسوّق له: سكب القهوة في الفنجان.. أضاف الحليب، ووضع السكر.. وبالملعقة الصغيرة حرَّكها.. شرب القهوة بالحليب، ووضع الفنجان، دون أن يُحدِّثني.. أشعل سيجارة.. صنع دوائر من دخان.. نفض الرماد في المدخنة.. ودون أن يُحدِّثني، دون أن ينظر إليّ، وضع قبعته على رأسه.. لبس معطفه الشتوي، لأن السماء كانت ماطرة.. ثم راح دونما كلمة، ودون أن يلتفت إليَّ.. أخذتُ رأسي بين يديَّ.. وبكيتُ.

هذه هي ترجمة قصيدة الشاعر الفرنسي..

يسأل نزار نفسه: أنا في عالم عربي تسود فيه الأميّة.. من سيقع على هذه القصيدة المطوية في أضابير الثقافة الفرنسية؟ سأترجمها بإحساسي، وأكتبها بطريقتي.. سأضيف إلى المقادير جريدة وبعض الأحاسيس.. وفي الوقت ذاته سأثبت أنني قادر على طرق باب القصيدة الحرة، حتى لايظنّ الناس أن محمود درويش قد تفرّد بها.. ثم إني سأكتبها بلسان أنثى تأكيداً على لقبي الأثير: “شاعر المرأة”.

ثلاثة عصافير.. بحجر واحد:

أخرج من معطفه الجريدة، وعلبة الثقاب.. ودون أن يلاحظ اضطرابي، ودونما اهتمام، تناول السكر من أمامي.. ذَوَّب في الفنجان قطعتين.. ذَوَّبني ذَوب قطعتين!. وبعد لحظتين، ودون أن يراني، ويعرف الخوف الذي اعتراني.. تناول المعطف من أمامي، وغاب في الزحام، مُخلِّفاً وراءه الجريدة.. وحيدة.. مثلي أنا وحيدة.

لم تجد القصيدة ردة فعل تذكر..

مرت سنوات.. حتى قرأتها المغنّية ماجدة الرومي فأعجبتها.. فنفخت فيها الروح!

وطارت شهرة الأغنية في الآفاق.. حتى حطت على طاولات النقاد المتطفلين، الذين يؤمنون بتناسخ الأرواح!..

بحثوا عن روح تلك القصيدة القديمة.. حاكموها.. فوجدوها قد خبأت القبّعة الفرنسية خلف معطف نزار!!

علي-المسعودي

كاتب له مؤلفات في الشعر والنقد والقصة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...