الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون
بقلم: أيمن العتوم
| 16 سبتمبر, 2024
مقالات مشابهة
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
مقالات منوعة
بقلم: أيمن العتوم
| 16 سبتمبر, 2024
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون
بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ لا يُعرَف له لون لأنّ الطّين غَطّاه كُلَّه، وبجسدٍ عارٍ حال لونُه الطّبيعيّ إلى اللّون المُعفّر، وفي شارعٍ مُجَرّف جرى فيه صوتُ الرّصاص والقذائف فحوّله إلى خطٍّ ترابيّ تتوزّع عليها بقايا أبنيةٍ أو محلاّتٍ مُهدّمة، رفع الطّفلُ رأسَه ينظرُ بعنيَن مرعوبتَين مفتوحَتين على مشهدٍ يعجّ بالموت والدّم لا يُمكن وصفُه أو تفسيرُه، اتّكأ بذراعَيه على الأرض، ومدّ عُنُقَه ليرى شيئًا، شيئًا ما يُمكن أنْ يرأفَ به، وقد تهدّلتْ خُصُلات شعره المُترَبه المُتناثرة على رأسه، وتغضّنَتْ جبهتُه من الهول، وما يتغضّن إلاّ وجه الكِبار، فأيّ مشهدٍ رآه هذا الطّفل الّذي لا يتجاوز السّنوات الثلاث أو الأربع من عمره حتّى يتغضّن له وجهه كما يتغضّن وجه رجلٍ سبعينيّ؟!
أمّا عيناه اللّتان سَكَنَ فيهما ألفُ سؤال وسؤال، واتسّعتْ حدقتاهما حتّى انطبعتْ على مرآتهما صُوَرٌ لا تُحصَى من تخاذلنا فقد كانت – رغم هذا الرّعب المخثّر فيهما – جميلتَين!! لو أنّنا رأيناهما أيّام لم تكنْ هناك حرب، لم تكنْ هناك أشلاء، لربّما كانتا ساحرِتَين إلى الحدّ الّذي سيؤمن المُلحِد بوجود الله به من خلالهما، لا بُدّ أنّهما كانتا مُلوّنتَين، حَدِّقْ فيهما جيّدًا ستجدُ أنّهما كانتا أجمل من عينَي المعشوقات كلّهنّ، وبالتّأكيد أجمل من عيون أطفال العالَم الّذين لا يعرفون معنى أنْ يكون الموتُ رفيقًا دائِمًا.
وإذا أشحْتَ النّظر عن هاتَين العينَين لأنّهما ذابِحتان وساحرتان معًا، ولأنّهما تُشعِرانك بالوجع العميق وبالحزن الأعمق، فنظرتَ إلى ساقَيه، وإلى قدَمَيه العاريتَين، لوجدتَ إحدى ساقَيه النّحيلتين قد برزَ فيها عظمُ الكاحل، قد يكون هُشّم وسُحِق فصار مُفتّتًا داخل الجلد، ذلك ممكن، ولكنّ عينَيه لم يكنِ اتّساعهما الرُّعبيّ لأجل هذا الألم، كان على الأغلب للمشهد الّذي أمامه، أيُمكن أنْ يجد فيه ما يُنقِذه، أم أنّ الحياة ترحل تاركِةً إيّاه على شارع الموت الّذي يتربّص به مُتحيِّنًا لحظةَ افتراسه عمّا قريب؟!
في آخر الشّارع التّرابيّ، كانتْ هناك طُيُوفُ أناسٍ تمضي في الاتّجاه الآخرَ مُعطِيَةً إيّاه ظَهرَها، لا يبدو ذلك أكيدًا بسبب ضبابيّة الصّورة، قد يكونون قادِمين نحوه، أو لعلّ الرّعب جَمّد أطرافهم فوقفوا في أماكنهم لا يتحرّكون خُطوةً واحدة.
الجميع يشاهدون؛ أنا وأنت، والإنسُ والجِنّ، والمُؤمنون والمُلحدون، والّذين يؤمنون بإله واحدٍ وأولئك الذّين يؤمنون بتعدّد الآلهة، والسُّوقة والسّادة، والشّعب والحُكَّام، ثُمّ… ثُمّ يمرّ المشهد مرورًا عابِرًا عاديًّا، كأنّه لقطةٌ من فيلم سينمائيّ، وكأنّ هذا الطّفل البائس المنكوب الحيّ ليسَ إلاّ دُميةً أُعِدّتْ من أجل هذا الجزء من الفيلم!!
سينام النّاس، وستمرّ الأيّام، ولن يرى غير الله بعدَ ذلك ما يحدث، ولن يرأف به سِواه، أمّا نحنُ فيا رَبِّ: هل يُمكن أنْ تسامِحنا؟!
صدر لي خمسة دواوين وسبعَ عشرة رواية
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
تبارك مدادك وسدد الله قلمك