باقُون والاحتِلال إلى زوال
بقلم: أيمن العتوم
| 22 يوليو, 2024
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: أيمن العتوم
| 22 يوليو, 2024
باقُون والاحتِلال إلى زوال
باقُون لأنّها أرضُنا، ولأنّه دينُنا، ولأنّه أُمِرْنا بأنْ نقاتل عدوّنا بكل ما نستطيع. باقون لأنّنا نعرفُ كيفَ نقاتل، وكيفَ نتجدّد، وكيفَ نُقاوم، ونطلعُ رغم الأسى والألم كما يطلع الوردُ من الصّخر، إرادةً لا تعرف الهزيمة ولا تعترف بها، وعزيمةً لا تهون ولا تضعف.
إنّها تسعةُ أشهر ونصفُ شهرٍ صُبّ فيها من المتفجّرات ما لو صُبّ على غيرها لَمَا سمعتَ لأهلها رِكزًا، ولكنّنا نحن؛ نحنُ نَبْتُ الرُّبا وحَدُّ الظُّبا. نحنُ فوحُ الشّذا ولعنة الشّوك. نحنُ ريحُ الصّبا وريحُ السَّموم. نحنُ بسمة الفجر وصَعقةُ البَرْق.
يذبحوننا في كلّ بيتٍ وحارة. يقتلوننا في الخيام بعدَ أنْ لم تكنْ دُور، يُجوِّعون، يَنهبون، يَحرقون، يُعطِّشون، يُروِّعون، يَحرثون أرضنا بالصّواريخ حرثًا، ولكنّنا مع ذلك كلّه باقُون.
قالوا إنّهم طَهّروا الشّمال من النّاس والمُقاومة، ومسحوها مسحًا، واليوم نبتَ المُقاومون في الشّمال كأنّ دِمَاءَ مَنِ استُشهِدوا مِن قبلُ أنبتَتْهم، طلعوا من تحتِ الأرض كأنّهم خُلِقوا من جديد، وراحوا على مَهَلٍ يدرسون حركة الدّبّابات والجُنُود، ويقنصونهم كما يُقنَصُ الذّباب. ويستخدمون القنابل الّتي لم تنفجر، فيضيفون إليها لمستهم الحانية، وقُبلتهم العاشقة، ويُرسِلونها إلى الصّهاينة لتنفجر بهم! نحنُ نصنع من المستحيل مُمكِنًا، ومن الطّلقة المُوجّهة إلى صدورنا ألغامًا نضعها تحتَ أقدامكم لتحرقكم. إنّ دِماء السّابقين وقودُ الحياة للاّحقين، فعبثًا تُحاولون القَضاء علينا، إنّنا رُعبُكم الّذي لا ينتهي، ألم نقلْ لكم من قبلُ: “إنّ غَزّة مقبرة الغُزاة”؟!
نحنُ في الشّمال كما في الجنوب قدرُكم القاتل، وحتفُكم المُميت، فلا تظنُّنَّ أنّ وردةً دُستُموها هنا لن تُبرعمَ هناك. انظروا إلى الفضاء ستروننا نتشكّل في الطُّيوف الّتي تلاحقكم في صَحوكم ومَنامكم، فأنّى لكم أنْ تنجوا؟!
نحنُ جيلٌ يتبعُ جيلاً، ورايةٌ تسلّم راية، وفوجٌ ينهضُ من خلفِ فوج، وسيّد يقومَ مقام مَنْ صَعد إلى السّماء، فخلَفَه مَنْ يُردِّدُ بيتَي عبد الرّحيم محمود:
يَا شَهِيدًا قَدْ تَخِذْنا قَبَسًا
مِنْهُ يَهدِينا إِلى النَّهْجِ السَّدِيدِ
مَثَلٌ أَنْتَ وَمَا إِنْ تُنْتَسَى
لا تَنِي تَرْوِيكَ أَفْوَاهُ الوُجودِ
نحنُ نُحِبُّ شهداءَنا ونُكرّمهم، ونُحنِّي أصابعنا من دمائِهم، ولهذا نتوالَدُ ولا نموت، ونتزايدُ ولا نقلّ. إنّ دماءَ شُهدائِنا وقودُ الثّورة، بريقُها الهدايةُ في العتمة، وشذاها الدّليلُ في التّيه، فلو أنّ شهيدًا قضى دلّتْ دماؤه العشراتِ عليه، يحتذونَ حذوه، ويصنعون صنيعه، وإذا أقدموا على الهول أقدموا بثباتِ مَنْ لا يُريدُ الرّجوع حَيًّا، فكيفَ تحلمُون بالعيشِ على هذا الثّرى الّذي تلعنُكم فيه كلّ ذرّة؟!
إنّ كلّ مقاتلٍ منّا يبغي الله فكيفَ يكونُ لكم عليه سبيل، ينهضُ إلى واجبه في الدّفاع دون أنْ يسأل عن زمن التّحرير، يموتُ عزيزًا ولا يعيشُ ذليلاً، يردّد مع المتنّبي:
وَمَا مَنْزِلُ اللّذّاتِ عِنْدِي بِمَنْزلٍ
إذا لَمْ أُبَجّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ
خيارُنا القِتال ولا نامتْ أعينُ الجُبناء. طريقُنا الجهاد ولا عَزّتْ رِقابُ المُتخاذلين، قد نكونُ تُرِكْنا وحدنا، ومتى كانت الكثرةُ مع أهل الحقّ؟! إنّها سُنّة الله أنْ يجعل الشّهادة غايةَ الشُّرفاء الأولياء الأُمناء على أوطانهم، أمّا المُنافِقون والكذّابون والمُثبِّطون فما أكثرهم!
نحنُ خالد والقعاع، وأبو عبيدة والقَسّام، وسعدٌ وزيد، وعبد الله وجعفر، راياتنا دليلُ الحائرين، وأصواتُنا آذانُ المُترّددين، ودماؤنا عيون التّائهين.
إذا عِشْنا فرؤوسنا لعزّتها تُطامن السّحاب، وإذا متنا فشهادةٌ عند ربِّ الأرباب، وإذا شهدْنا النّصر قرّتْ عيونُنا أحياء، وإذا تأخّر حتّى يكون على يدِ أبنائِنا أو أحفادِنا قرّتْ عيونُنا كذلك تحتَ التّراب.
نحنُ باقون أيّها المحتلّ مهما حشدْتَ وجمَعْتَ وأرجفْتَ وخوّفْت، وأقبلْتَ وأدبرْت، وركضْتَ في ترابِ غزّة ركضَ الوحوش، وظننتَ أنَّك قادرٌ على هزيمتنا وعلى محونا من الوجود، نحنُ باقون حَقًّا وأنتم زائلون، فهل في ذلكَ شَكّ؟!
عمّان
21-7-2024م
صدر لي خمسة دواوين وسبعَ عشرة رواية
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
جزاكم الله خيرا ، غزة أيقظت أنفسنا من تعلقنا بالدنيا وسطروا معاني من التضحية وانزلوا ايآت الله فيهم فهي تتجلى كلما شهدنا موقفاً ، أهلُ غزة علّمونا كيف نتخلى عن كل مايدعم الغرب الغاشم وكيف نحرر أنفسنا من الإستعمار الإستهلاكي ان صح التعبير وهذا كله بفضل الله ويكفي شيء واحد ان قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار واسأل الله ان يهون مصابهم ويجعل لهم من كلّ هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا وان يرزقهم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتعودُ بطانا .
دكتور تسمحلي اسجل النص على شكل تعليق صوتي